المؤلفات الفقهية قليلة أيضا خلال هذا العهد (١). وربما يرجع ذلك إلى عدم حرية الفقهاء في تناول الموضوعات الفقهية حسب الشريعة الإسلامية. فقد كانت بعض أبواب الفقه محرمة في التدريس والخطب والفتوى. ذلك أن الإدارة كانت تخشى أن يستعملها العلماء في دفع الناس إلى المعارضة والثورة أو (التعصب) كما كان الفرنسيون يطلقون على المعارضة. وربما يرجع ذلك أيضا إلى ضعف الثقافة الدينية، فقد كان المصدر الوحيد لتخريج القضاة والفقهاء هي المدارس الثلاث التي أسستها الإدارة سنة ١٨٥٠، وهي مدارس لا يتجاوز مستواها في أغلب الأحيان الدراسة الثانوية في مصطلحنا اليوم، ربما مستوى المتوسطات. حقيقة أن بعض الفقهاء قد تخرجوا من الزوايا المحلية ولكنهم كانوا بعيدين عن المجال العلمي والوظيفي، وربما كانوا هم أيضا يكررون ما كتب القدماء فقط. أما الذين تخرجوا من بعض المعاهد الإسلامية ورجعوا إلى الوطن فقد استوعبتهم الإدارة وجعلتهم يندمجون في بوتقتها في أغلب الأحيان، أمثال الزقاي والمجاوي وابن مهنة وعاشور الخنقي. ولم يبدأ تحرر الفقهاء على الأغلب إلا منذ ظهور الحركة الإصلاحية، وهي حركة ركزت على التعليم العربي وتجديد الدين ومحاربة الآفات الاجتماعية ولم تهتم بالتأليف.
والمذاهب الفقهية الرائجة خلال العهد الذي ندرسه هي: المالكي والحنفي والإباضي. أما المالكي فهو مذهب الغالبية العظمى من السكان، وكان له مصادره في الكتاب والسنة وموطأ الإمام مالك ومدونة ابن القاسم ومختصر الشيخ خليل بن إسحاق، وبتقادم الزمن أصبح مختصر خليل هو العمدة في الأحكام والدروس والفتاوى. وقد اعتمدته الإدارة الفرنسية أيضا في تعاملها مع الجزائريين. فكان المختصر مقررا في المدارس الرسمية وفي المحاكم. وتسابق المستشرقون إلى ترجمته والتعريف به. ومن الذين ترجموه
(١) انظر المؤلفات المتعلقة بالفرائض والميراث في فصل العلوم والرياضيات، الخ.