للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مبكرا الدكتور بيرون (١). فكانت المحاكم الشرعية مهما كان مكانها في الوطن وكذلك المحاكم الفرنسية التي تنظر في الأحكام بين المسلمين أو بين هؤلاء وغيرهم تعتمد على المختصر في أصله أو في ترجمته.

ومنذ الاحتلال أخذ عدد الأحناف يتضاءل لأن معظمهم كانوا من العثمانيين أو من نسلهم. ولكن السلطة الفرنسية قد استمرت في تعيين المفتين على المذهب الحنفي في بعض المدن الرئيسية كالعاصمة وقسنطينة والمدية، إلى أن اختفى وظيف المذهب من غير العاصمة. وكذلك أضعفت هذه السلطة عن قصد من سمعة ومكانة المفتي والقاضي الحنفيين (٢). وكان المفتي الحنفي (محمد بن محمود بن العنابي) أول من نفته السلطات الفرنسية بعد الاحتلال مباشرة (١٨٣٠). وكان للحنفية كذلك مصادرهم في الفتوى والقضاء، ومن ذلك فقه الإمام أبي حنيفة وكتاب الدر المختار. ولكن عدم الحرية وضعف المستوى واحتكار المحاكم الفرنسية لإصدار الأحكام كان يمس جميع الفقهاء المسلمين مهما كان مذهبهم.

وقد تعامل الفرنسيون في المذهب الإباضي على مراحل، وأول اتصال لهم مع أصحاب هذا المذهب كان في العاصمة ولكن في شكل نقابة كانت تمثل بني ميزاب فيها. فاعترفوا بها كتنظيم اجتماعي - اقتصادي أكثر منه ديني. وكان أمين النقابة مسؤولا عن كل ما يصدر عن المنخرطين في تنظيمه دينيا واجتماعيا واقتصاديا وأمنيا. وهو بذلك يضمن لهم ممارسة حرية العبادة وحرية التجارة والتنقل بين ميزاب والعاصمة. ومنذ احتلال الصحراء في أوائل الخمسينات عوملت ميزاب معاملة خاصة حين أعطيت نظام الحماية الفرنسية مع الاحتفاظ بأمورها الداخلية من شعائر وعزابة وتعليم وتجارة وقضاء. ولكن في سنة ١٨٨٢ شمل الاحتلال المباشر ميزاب أيضا ورفع عنها نظام الحماية، وسمح لأهلها بممارسة شعائرهم حسب مذهبهم، وكان من


(١) انظر لاحقا.
(٢) انظر من رسائل علماء الجزائر في القرن الماضي، في أبحاث وآراء، ج ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>