للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وانحرف بعضهم فأصبحوا من دعاة الإقليمية الضيقة والمحلية الجغرافية أو اللغوية وحتى العرقية، وهام بعضهم على وجهه بحثا عن العالمية صعبة الدروب والأشواك، واختفى فرعون لأنه كان ضحية الجرائم الأخيرة للاستعمار، وتأكد مالك حداد بأنه أصبح غريبا في وطنه منفيا في لغة أجنبية فألقى السلاح، ونشط ياسين فترة في معمعة الشيوعية ولكنه اجتهد واستعان بنخبة بلاده اليسارية إلى أن احترق واختفى، واختار محمد ديب المنفي العالمي فكان ربما الوحيد الصادق مع نفسه حين أعلن أنه يمثل الجيل الأخير، أما مولود معمري فقد ارتمى في حبائل الحاقدين على وحدة الجزائر فعزف معهم سمفونية الفصل العرقي واللغوي بين العرب والقبائل، وتحول من أدب رقيق إلى داعية ثقافتينفي الجزائر الواحدة وداس على التراث الإسلامي واللغة العربية وحضارة الأجداد من أجل اللغة والثقافة الفرنسية (العالمية).

[كاتب ياسين]

لعلنا لا نعدو الصواب إذا قلنا إن كاتب ياسين يأتي في الدرجة الثانية في الأهمية الأدبية بعد محمد ديب، رغم أن بعض المعجبين به وأنصاره الإيديولوجيين قد يجعلونه في الدرجة الأولى، فهو في الحقيقة الثاني ظهورا والثاني سنا والثاني سمعة، ولكن الأديبين (ديب وياسين) يلتقيان في الفترة الزمنية (الخمسينات) التي تعتبر فترة اليقظة والثورة والتحرر، وكلاهما تخرج من المدرسة الفرنسية، ونبت في مدينة عريقة من مدن الجزائر التاريخية: محمد ديب من تلمسان عاصمة بني زيان وكاتب ياسين من قسنطينة العاصمة العلمية والمركز السياسي لبني حفص، لكن ديب درس فيما يبدو دراسة منتظمة ونشأ في أسرة مستقرة ولو لم تكن مترفة، بينما ياسين عاش في حالة اضطراب دراسي وشهد وهو فتى أحداث الناس مايو ١٩٤٥ التي جرت قريبا من مدينته، وتأثر بالمدرسة اليسارية التي يبدو أن ديب لم يتأثر بها كثيرا، ولكن كليهما كان ناقما على الاستعمار الذي جاء بالتمييز العنصري وبالفقر

<<  <  ج: ص:  >  >>