الحكام المسلمون في مختلف عهودهم غالبا متسامحين، ما عدا النادر الذي لا يقاس عليه، مع الأديان والطوائف الأخرى. ولكن ضعف المسلمين وارتباط هذه الطوائف بالدول الكبرى الغازية، ثم وقوع العالم الإسلامي نفسه لقمة في فم تلك الدول، قد جعل الحديث عن التقارب والتسامح كحديث الطرشان. فالتسامح مثل العفو والصفح، لا يكون إلا عند المقدرة. أما المغلوب على أمره فتسامحه إنما هو زيادة في إضاعة حقوقه التي استولى عليها الغالب، وهو دليل أيضا على بلادته.
[المثالية والاشتراكية]
ظهرت السانسيمونية أوائل القرن الماضي في فرنسا وفي غيرها من البلدان الأوروبية، على يد سان سيمون. لقد جاءت لتساهم في حل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي طرأت على المجتمع الأوروبي من جراء الاختلال في التوازن الطبقي واختلال العدل الاجتماعي في توزيع الثروات. وكان هناك خوف كبير لدى المفكرين من أن ذلك الاختلال سيؤدي إلى البغضاء والثورة.
لذلك ظهر السانسيمونيون بأفكارهم المثالية، وبشروا بمجتمع يسوده العدل والنظام والانسجام، عن طريق التشارك والعمل الجماعي الذي يؤدي بدوره إلى التشارك في الثروة والربح عن طريق حماية الدولة. فتدخل الدولة ضروري عندهم لضمان بقاء وسير الوحدات الإنتاجية الجماعية وتوفير الوسائل المنتجة. وقد أسسوا أجهزة للإعلام والإشهار، وأخرى لاستقطاب العمال وتوفير الأرض التي تقوم عليها الوحدات الإنتاجية، وأخذوا يجربون أفكارهم في الميدان دون أن يصطدموا بالواقع، بعيدا عن الغوغائية.
وبينما كان السانسيمونيون يبحثون عن الميادين لإقامة تجاربهم النموذجية في التشارك المنتج، وقع احتلال الجزائر. وبعد السنوات الأربع الأولى التي كان الحديث خلالها يدور حول البقاء فيها أو الجلاء عنها،