إن العهد العثماني، في جميع مظاهره، ما يزال غير مدروس. فلم يؤلف علماء الجزائر أثناءه تأليفا يغطي جوانبه ويدرس ظواهره ويسجل أحداثه، اللهم إلا ما نجده من نتف في بعض أعمال أبي راس وابن المفتي وابن حمادوش والورتلاني والتلمساني والمشرفي وأمثالهم. وليس ما كتبه أمثال ابن ميمون وابن سحنون وابن زرفة إلا تسجيلا لأخبار أولياء نعمتهم. لذلك أصبح على المؤرخ أن يعود في دراسة هذا العهد إلى كتب التصوف مثل مؤلفات الصباغ القلعي والفكون وابن مريم والبطيوي وابن سليمان ونحوهم، أو إلى الرحلات والأعمال الأدبية والشعر وحتى الشروح الفقهية والنحوية مثل مؤلفات ابن عمار وأشعار ابن علي وشروح البوني الخ، بالإضافة إلى السجلات والوثائق الرسمية.
كما أن علماء الجزائر في العهد الفرنسي لم يلتفتوا إلى العهد العثماني يدرسونه ويحددون معالمه ويحكمون عليه. ولولا بعض الصفحات في (مرآة) حمدان خوجة و (تحفة) الأمير محمد باشا و (محمد عثمان باشا) و (كتاب الجزائر) لأحمد توفيق المدني وبعض الإشارات في مؤلفات أبي حامد المشرفي وابن الأعرج وتراجم أبي القاسم الحفناوي، لا نقضي النصف الأول من القرن العشرين دون أن نعرف شيئا عن ذلك العهد من مؤلفات الجزائريين. وكان شعار معظم الجزائريين الذين تأثروا بالثقافة الفرنسية هو شعار الكتاب الفرنسيين أنفسهم الذين اكتفوا برمي العثمانيين بالوحشية الثقافية والاستبداد السياسي والشره الاقتصادي.