للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد اكتفى الفرنسيون، حين تعرضوا للعهد العثماني، بدراسة وثائق قناصلهم أثناءه ومصالح بلادهم على سواحل الجزائر والحروب التي كانت بينهم وبين غزاة الجزار. وإذا توسعوا في الأمر درسوا العلاقات الدبلوماسية والتجارية بين الجزائر والدول الأوروبية ومواقف الجزائر من الأسرى المسيحيين وما يتصل بذلك. وقد سار على نهجهم أيضا المؤلفون الأجانب الآخرون من إنكليز وإسبان وأمريكان إذ نجد عدة مؤلفات لهؤلاء تتعلق بالمعاهدات والعلاقات بين الجزائر وتلك الشعوب، كما تتناول الحصون والتجارة والأسرى ونحو ذلك. أما الحياة الثقافية أثناء ذلك العهد، من أدب وفن وتاريخ ونحو وتصوف وغيرها، فلم تكن تهم الدارسين الفرنسيين بالخصوص إلا إذا كانت لها آثار مباشرة عليهم كاللهجات والتصوف وأصول السكان.

فهل نستغرب بعد ذلك أن نقرأ في الأخبار أن الصناديق المتعلقة بالآداب والفنون والتعليم قد ضاعت من أرشيفات العهد العثماني التي كان يملكها الفرنسيون؟ وكما ضاعت هذه الوثائق الأساسية لدراسة الحياة الثقافية ضاعت أيضا المخطوطات التي تركها علماء الجزائر أثناء نبش وبعثرة المكتبات الخاصة والعامة في الحروب التي رافقت الاحتلال الفرنسي للجزائر. فقد أصبحنا لا نعرف عن بعض هذه المخطوطات إلا ما يذكره عنها المستشرقون الفرنسيون وضباط المكاتب العربية والمترجمون، والذي لم يذكروه وحملوه معهم إلى بلادهم أعظم. كما أن بعض هذه المصادر الجزائرية لم نعد نعرفه إلا مترجما محرفا بينما ضاع أصله العربي. أما الآثار الأخرى التي حملها العلماء الجزائريون المهاجرون معهم إلى البلاد العربية والإسلامية بعد الاحتلال فما يزال بعضها محفوظا ولكن أغلبه قد اشتراه المستشرقون أيضا من ورثة هؤلاء العلماء الذين كبا بهم الزمن فأصابهم الفقر بعد الغنى والبذل بعد العز. وهكذا تفرقت مصادر تاريخ الجزائر الثقافي في عواصم أوروبا، برلين ولندن والفاتيكان وميونيخ ومدريد وباريس وغيرها، بالإضافة إلى تفرقها في مكتبات العالم الإسلامي.

<<  <  ج: ص:  >  >>