وعندما نتحدث عن الإنتاج الفقهي في الجزائر فمن الطبيعي أننا سنركز على إنتاج الفقه المالكي. ذلك أن معظم سكان الجزائر يتبعون مذهب الإمام مالك. ولكن منذ مجيء العثمانيين انتشر المذهب الحنفي أيضا، كما عرفنا، وظهر علماء كتبوا ودرسوا وأفتوا على قواعد الإمام أبي حنيفة. وإذا كانت معظم التآليف في أصول وفروع الإمام مالك فإن ذلك لا يعني حينئذ أنه لم يكن لعلماء المذهب الحنفي تآليف وآراء. فأسرة ابن العنابي كانت حنفية وقد تركت بعض التآليف الهامة. وعبد القادر الراشدي كان مفتي الحنفية وألف أيضا في ذلك. والشاعر المفتي ابن علي كان على المذهب الحنفي وقد كان له تأثير في الحياة الأدبية، بالإضافة إلى الفقه، كما سنعرف، لذلك فإننا سنتعرض لإنتاج الفقهاء الجزائريين سواء كانوا على مذهب أبي حنيفة أو مذهب مالك. ومن جهة أخرى فإن بعض علماء الإباضية في الجزائر قد ألفوا أعمالا في الفقه على مذهبهم جديرة بالدرس، وهي جزء لا يتجزأ من التراث الثقافي الجزائري.
ورغم الجو المحافظ الذي كان يسود الجزائر خلال العهد العثماني فإن بعض الفقهاء كانوا (متحررين) في تناولهم للمسائل الفقهية ولقضايا العصر والحياة الاجتماعية بصفة عامة، حقا إن أساس الانطلاق في التفكير الفقهي هو مختصر خليل على الخصوص ثم مختصر ابن الحاجب والرسالة، ولكن بعض الفقهاء كانوا يفسرون هذه المصادر تفسيرا غير جامد إذا ما اعترض طريقهم معترض، ويمكن أن نذكر من هؤلاء (المتحررين) عبد الكريم الفكون، وأحمد المقري ويحيى الشاوي وأحمد بن عمار. أما من الحنفية فنذكر ابن علي وابن العنابي وعبد القادر الراشدي، وقد كان بعض الفقهاء يفتي أيضا بالشاذ كما عرفنا، ووقف آخرون من الدخان والقهوة والموسيقى