خصصنا هذا الفصل لدراسة التراث الثقافي خلال القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) باعتباره التركة التي ورثها العهد العثماني موضوع هذا الكتاب. فإنتاج القرن التاسع كان في الواقع خاتمة لإنتاج فترة امتدت ثلاثة قرون مبتدئة بعهد الموحدين، وكان في نفس الوقت فاتحة لإنتاج عهد العثمانيين بالجزائر، وهو العهد الذي انتهى بدوره سنة ١٢٤٦ (١٨٣٠ م)، وأثتاء دراستنا لإنتاج القرن التاسع سيتضح أنه كان حلقة بين إنتاج عاش في ظل إمارات محلية ضعيفة وإنتاج عاش في ظل (احتلال) إسلامي مركزي قوي.
ويعتبر إنتاج القرن التاسع، رغم ذلك، من أوفر إنتاج الجزائر الثقافي ومن أخصب عهودها بأسماء المثقفين (أو العلماء) والمؤلفات. وفي إحصاء سريع أجريته لأسماء العلماء المنتجين خلال القرن التاسع والعاشر والحادي عشر والثاني عشر وجدت أن عددهم في القرن التاسع يفوق أعدادهم في القرون الباقية متفرقة، ولا سيما القرن العاشر الذي عرف نقصا كبيرا في عدد العلماء وفي المؤلفات لأسباب سنعرفها. وكثير من إنتاج القرن التاسع ظل، كما سنرى، موضع عناية علماء القرون اللاحقة والتعليق عليه وتقليده ونحو ذلك. وكثير من علماء القرن العاشر، الذي هو نقطة انطلاقة هذا الكتاب، كانوا تلاميذ أوفياء لعلماء القرن التاسع، ومن أجل ذلك كله رأينا أن نفرد هذا القرن بفصل خاص.
[المؤثرات في الحياة الثقافية]
١ - وبالرغم من أن القرن التاسع كان عهد إنتاج ثقافي وفير فإنه على المستوى السياسي كان عهد اضطراب وتدهور. ذلك أن الحدود السياسية