لم تكن كتابات طوكفيل تروق لبعض الفرنسيين، ولذلك أهملوها وقلما أشاروا إليها ولم تجمع كتاباته عن الجزائر إلا سنة ١٩٦٨، رغم أنه كان يقف مع الاستعمار، كما رأينا، والقضاء على المقاومة الوطنية، وكان يعتبر الجزائريين أدنى حضارة من الفرنسيين، وعلى هؤلاء أن ينقذوهم من وهدتهم ويخرجوهم من التخلف بالعدل والرحمة والتعليم. وهذه كانت هي عقيدة الليبراليين الأوروبيين عموما. وكذلك كانت عقيدة السان سيمونيين. وهذا الصوت، رغم ما فيه من ادعاء وتبجح، كان موجودا على ألسنة كتاب آخرين طيلة العهد الاستعماري، فقد كان في كتابات توماس (إسماعيل) أوربان، وكتابات الدكتور فيتال، ومواقف البان روزي وإلى حد ما في صوت مارسيل ايمريت ... كما ظهر في سياسة بعض الحكام العامين أمثال شارل جونار وموريس فيوليت. ولكن ذلك الصوت كان ضائعا في القفار، لأن الصوت المسموع حقا في الإدارة الفرنسية في الجزائر وفي البرلمان الفرنسي هو صوت بوجولا، والدكتور وارنييه، ويوجين ايتيان، وتومسون، ومايير، ومورينو، أو كتاب من أمثال لويس بيتراند، وإيميل غوتييه، وحكام عامين كثيرين كانوا تحت رحمة الضغط السياسي والإعلامي للكولون و (اللوبي) الكولونيالي في الجزائر وباريس.
[رأي لافيجري ولويس فينيون وآخرين]
وبعد خمسين سنة من الاحتلال (١٨٨١) كتب الكاردينال لافيجري تقريرا سريا عن الوضع في الجزائر أظهر فيه أن فرنسا كانت تخسر أكثر مما تربح وأن حالة من الهيجان كانت منتشرة ولا ينتظر الأهالي سوى حرب
(١) دي طوكفيل (عن المستعمرة في الجزائر) .. مختارات من كتابات دي طوكفيل عن الجزائر، تقديم ت. تودوروف T. Todorov، ط. باريس ١٩٨٨ (الأولى ١٩٦٨) ص ١٦٤ - ١٧٢.