للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العمومي، ولكن الفرنسيين، كما قال، وضعوا أيديهم على مداخيل هذه المؤسسات في كل مكان، ووجهوا جزءا منها لخدمة أغراض أخرى غير اغراضها التي أنشئت من أجلها. وقال إن الفرنسيين قد خفضوا عدد المؤسسات الخيرية الإسلامية (وهو يعني الأوقاف) وأهملوا المدارس، وأغلقوا الحلقات الدراسية، وقال بهذا الصدد قولته الشهيرة، إننا بدل أن نضيء هذه الشموع (الدروس والمدارس) أطفأناها، وبذلك توقف تخريج رجال العلم والدين والشريعة، وهذا يعني، في رأيه، أن الفرنسيين قد جعلوا المجتمع الإسلامية أكثر بؤسا وأكثر تخلفا وجهلا ووحشية مما كان عليه قبل الاحتلال. وحكم دي طوكفيل بأن الإدارة الأهلية (الفرنسية) كانت أقل تمدنا من الإدارة السابقة (التركية؟) في التعامل مع الجزائريين.

ورأى دي طوكفيل أن هناك تناقضا بين النظرية والتطبيق في معاملة الأهالي. فالفرنسيون يقولون إن هؤلاء الأهالي غير قادرين على تقبل الإصلاح والتقدم، ولكن بدلا من الأخذ بأيديهم وتنويرهم وقع تجريدهم من الضوء الذي كانوا يملكونه، وبدلا، من إبقائهم على الأرض التي كانوا يملكونها حكموا عليهم بالخروج منها، وكان عليهم أيضا أن يستسلموا للفرنسيين، وليس هناك سوى وسيلة وحيدة في التعامل معهم لحصول الاستسلام، ألا وهي القوة. وفي رأيه أن هناك حلا وسطا، يجمع بين النظرية والتطبيق، وهو تمكينهم من الارتقاء إلى درجة الحضارة - حضارتهم وليس الحضارة الفرنسية. فهم كشعب نصف متحضر، في نظره، لا ينتظرون سوى العدل، العدل الحقيقي والصلب، ولا ينتظرون سوى حكومة توجههم إلى مصالحهم وليس إلى المصالح الفرنسية، وقال إنه ليس على الفرنسيين أن يفرضوا عليهم حضارتهم ولكن عليهم أن يقودوهم إلى حضارتهم الخاصة، فمن رأى طوكفيل أن التملك الخاص وإقامة الصناعات والتوطن في المدن الخ. أمور غير ممنوعة في الدين الإسلامي بل تتماشى معه. ثم إن الإسلام، في رأيه، لا يقف ضد الحضارة ولا يعادي العلم. وكان على الفرنسيين أن يقنعوا الجزائريين بفوائد العلوم، ولا يجبروهم على الدخول في المدارس

<<  <  ج: ص:  >  >>