أنه ملأ حوالي أربع عشرة صفحة للبيت الأول (١). وهو يسير في شرحه على طريقة شرح المتون المعروفة، ولكنه يتبع في ذلك ثلاث مراحل واضحة: الأولى الشرح اللفظي والثانية الشرح الأدبي والثالثة الشرح المعنوي. ولو كان النوع الثاني هو الذي يهم النقاوسي لعددنا شرحه في باب الأدب واللغة ولكن الذي كان يعنيه هو الأخير. وهو بذلك يبحث عما في القصيدة من معنى الخير والصلاح والبركة وما تفيده لقارئها من فضائل وانفراج. ولذلك عددنا عمله في باب التصوف والزهد. ويبدو النقاوسي في شرحه أديبا متمكنا أيضا وواسع الاطلاع قوي العبارة. ولعل له كتبا أخرى تكشف أكثر عن شخصيته العلمية وعن مكانته بين معاصريه. فقد قال فيه تلميذه إنه كان يجمع بين علمي المعقول والمنقول.
٢ - عبد الرحمن الثعالبي وأحمد الجزائري:
ومن بين تلاميذ النقاوسي في (الأخلاق المرضية والأحوال الصالحة السنية) عبد الرحمن الثعالبي الذي غطى بشهرته على شهرة أستاذه. ذلك أن الناس، منذ القرن التاسع قد عرفوا الكثير عن الثعالبي ولكنهم لم يعرفوا إلا القليل عن النقاوسي. ومهما كان الأمر فإن اسم الثعالبي قد التصق بالزهد والتصوف كما التصق اسم ابن رشد بالفلسفة وابن خلدون بالتاريخ والاجتماع. ولعله لولا إغراق الناس بعده في الطريقة لكان الثعالبي مجرد عالم زاهد ومؤلف من المؤلفين في علوم الدين ولنسج عليه النسيان خيوطه كما نسج على الكثيرين ممن سبقوه أو لحقوه. فقد ترك الثعالبي عددا من المؤلفات قد تصل إلى الخمسة عشر كلها تقريبا في التفسير والمواعظ والتوحيد والفقه.
ولم يكن الثعالبي سوى نتاج العصر الذي عاش فيه كما عرفنا. فقد ولد بوادي يسير غير بعيد من مدينة الجزائر. ودرس بهذه المدينة ومنها انطلق إلى بجاية لقربها وشهرة علمائها في الدين والتصوف، وخاصة مدرسة عبد الرحمن الوغليسي التي أشرنا إليها. وقصد بعد ذلك تونس التي كانت