والتواريخ التي تحدثنا عنها، بجميع أقسامها وأنواعها، ليست كلها متوفرة كما أنها ليست جميعا أعمالا كبيرة. ذلك أن بعضها قد ضلع مثل العديد من تآليف أبي راس وأجزاء من رحلة ابن حمادوش ومعظم مؤلفات أحمد بن عمار، غير أن الجزء الباقي من هذه الأعمال يعطينا فكرة عن نشاط الجزائريين في مجال التاريخ. ثم إن بعض هذه الأعمال صغيرة الحجم لا يتعدى عدة ورقات، وبعضها ضخم حجمها حتى عد بالأجزاء، والظاهر أن معظم الكتاب الذين تناولوا حوادث تاريخية أو تناولوا التراجم لم يكونوا واعين أنهم يكتبون (تاريخا) أو (تراجم) بالمعنى الذي نستعمله اليوم للعبارتين، فالذين ترجموا لعدد من الرجال كانوا في الغالب يقصدون وجه الأدب. كما فعل ابن عمار في (لواء النصر) أو يتبركون بالمترجمين كما فعل ابن مريم، أو يقصدون إلى نقد أوضاعهم ويحاربون الفساد الاجتماعي والديني كما فعل عبد الكريم الفكون في (منشور الهداية). ففكرة التاريخ كانت بعيدة من أذهان الأغلبية منهم، كما أن فكرة الترجمة الحقيقية التي تعطيك حياة ونشاط وأفكار ومواقف المترجم له بعيدا عن المدح والتبرك أو النقد والتجريح كانت أيضا بعيدة من أذهان معظم المترجمين، ومع ذلك فإننا سنتناول الجميع، مما عثرنا عليه، على أنه تراث تاريخي تجب العناية به وليس على أنه يلبي المقاييس التاريخية التي نقيس بها اليوم.
[في السيرة النبوية]
ألف الجزائريون في السيرة النبوية عدة أعمال ونظموا فيها الأشعار والأراجيز، ومن الممكن أن نعد كل ما قيل من شعر في المدائح النبوية جزءا من تاريخ سيرة الرسول (صلى الله عليه وسلم)(١)، كما أننا نعتبر ما كتب أو نظم في الرحلات
(١) انظر المدخل الذي كتبناه للرحلات الحجازية الجزائرية في كتابنا (أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر).