وهكذا يمكننا القول إن الثقافة العربية قد عاشت في ثلاثة مراكز وانطلقت منها: المركز الأول: المدارس العربية الفرنسية (الرسمية)، والمركز الثاني: المعاهد والزوايا في البلدان العربية والإسلامية، والمركز الثالث: الزوايا والمدارس البعلية أو الحرة في الجزائر نفسها. وإذا كان التقارب قد وقع في غالب الأحيان بين طلاب المركزين الثاني والثالث، فإنه قلما وقع مع طلاب المركز الأول. وكان على الثقافة العربية أن تعاني من هذه الإزدواجية إلى اليوم. وهي ليست إزدواجية الثقافة الفرنسية المحض والثقافة العربية المحض، ولكنها إزدواجية الثقافة المتأثرة بالفكر الفرنسي والثقافة البعيدة عن هذا الفكر، بل المضادة له. ومهما كان الأمر فإن لكل مدرسة نتاجها. وسنرى عند تناولنا لهذا الإنتاج أيها كان أكثر ارتباطا بالتراث وأبعد تأثيرا في المستقبل.
[التعامل مع اللغة العربية]
اعتبر الفرنسيون اللغة العربية لغة أجنبية والفرنسية هي اللغة الرسمية. وكان ذلك موقفا واضحا من الدين الإسلامي أيضا لأن اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم ولغة الحضارة التي كتب بها تراث الدولة الإسلامية. ومن جهة أخرى كان موقفا سياسيا واضحا أيضا، لأن العربية كانت هي لغة البلاد الإدارية والقضائية والتعليمية. فإذا استثنينا الجهاز المركزي بالعاصمة حيث كان الخلط بين العربية والتركية، فإن إدارة الأقاليم والأوطان والجماعات والمدارس والمحاكم كانت كلها باللغة العربية. وهكذا فإن اعتبار اللغة الفرنسية هي اللغة الرسمية كان نفيا لما عداها، مما يعني السيادة السياسية لفرنسا وضرب الدين الإسلامي ولغته وحضارته.
ولكن هذا لا يعني استغناء الفرنسيين عن اللغة العربية. لقد فهموا أن حاجاتهم الإدارية والاجتماعية لا يمكن أن تنجز إلا باستعمال هذه اللغة. وقاموا من أجل ذلك بمحاولتين، الأولى هي إهمال تدريس العربية في