للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحق (١)، ولم يجد شو عند علماء الجزائر معرفة بعلم الملاحة ولا بعلم الكيميا، الذي كان محببا، كما قال، إلى أجدادهم، والذي أصبح عند علماء الجزائر متمثلا في صناعة ماء الورد فقط، ولا بعلم الطب الذي ألف فيه ومارسه الرازي وابن رشد وابن سينا وغيرهم، وقال شو ان علماء الجزائر إذا اعتنوا بالنباتات والحيوانات فإنهم يكتفون بالعناية بأشكالها وليس بأوصافها وخصائصها (٢). وقد أبدى شو أيضا ملاحظات مشابهة عن معرفة علماء الجزائر في وقته (القرن ١٨ م) لعلم التاريخ والجغرافية. وبالغ بعض الأوروبيين فحكم على أن علماء الجزائر لا يكادون يفقهون شيئا عن الفلك والمنطق والرياضيات ونحوها من الفنون والعلوم، وأضاف بأن جميع معارفهم كانت تقوم في هذا الباب على ما يسميه بالسحر (٣) وهو بدون شك يقصد الشعوذة والخرافة التي كان يقوم بها أشباه العلماء عندئذ.

٤ - حوافز التعليم وأهدافه:

وإذا كان التعليم لا حدود له زمانية أو مكانية فإن له حوافز تدفع بالمتعلمين إلى المزيد منه وإتقانه. فما هي الحوافز التي كانت للتعليم خلال العهد العثماني؟ وما هي الأهداف منه؟ إن الحافز الأول كان بالطبع هو الدين وليس الدنيا، كما أشرنا. فمعظم المتعلمين كانوا يستزيدون علما استكمالا لدينهم وفهما لمبادئه وحدوده. فليس هناك أهداف سياسية أو اقتصادية يحمل عليها المتعلم دون الجاهل عندئذ. بل لعل العكس هو الصحيح. فقد كان الجهال والمغامرون، وخصوصا في ميدان السياسة، هم الذين لهم الغلبة والكلمة الأخيرة، كما عرفنا. ومن جهة أخرى فقد كان المتعلم مدفوعا إلى العلم بدافع ذاتي، ذلك أن العلم كان قبل كل شيء لذة وهواية. فالطالب كان يعرف مقدما أن حرفة العلوم غير مربحة دنيويا، ومع ذلك كان يقدم على التعليم لرغبة ملحة وتضحية كبيرة لأنه يجد فيه لذته وإشباع ميوله الشخصية.


(١) في رحلة ابن حمادوش ما يشبه كلام شو، ولكن بالنسبة لعلماء ومؤقتي المغرب.
(٢) شو (الرحلة)، ٣٥٦.
(٣) انظر (مذكرات أسير) لسيدن.

<<  <  ج: ص:  >  >>