أما الشرح فقد بدأه بهذه العبارات (وبعد، فلما كان التكبير سنة مأثورة على أهل مكة، وكان نظر شيخنا سيدي محمد بن توزينت كافيا في معرفة وجهه وكيفية تلاوته حالة الختم، واستكثره بعض الأخوان، وليس بكثير)(١)، أنشأ الأبيات المذكورة همع شرحها تلبية لمن طلبه ذلك.
[الحديث]
من العلوم التي أنتج فيها الجزائريون علم الحديث ومصطلحه. فقد اعتنوا به تدريسا وتأليفا ورواية وإجازة. ولا شك أن ذلك يعود إلى صلة علم الحديث بالدين وبالتصوف معا. كما يعود إلى كون علم الحديث يعتمد إلى حد كبير على الحفظ، وهم حفاظ مهرة حتى اشتهروا بذلك منذ القديم. وكان العمل عندهم بالكتب الستة، يدرسونها ويسندونها ويحفظونها أحيانا، ولكن عنايتهم بصحيح البخاري قد فاقت كل عناية. فهو الكتاب الذي كان متداولا لديهم أكثر من غيره، ولعله قد بلغ عند بعضهم مبلغ القداسة، فكتبوا عليه الشروح والحواشي، وتدارسوه للبركة والحفظ، واستعملوه في المناسبات الدينية والحربية، واهتموا به عند القراءة حتى لا تقع أخطاء في معانيه.
ولا نكاد نجد مدرسا من المدرسين البارزين الذين ذكرناهم إلا وقد برع في تدريس الحديث أيضا. وأهم الأماكن التي كان يدرس بها الحديث هي الجوامع الكبيرة احتراما له. وكان بعضهم يبالغ فيضيف إلى جو الدرس جوا آخر من البهجة والسرور برش ماء الورد في نهاية ختم البخاري، وإلقاء جملة من الأدعية المناسبة، وترنيم الأحاديث بصوت رخيم. وكان لا يتولى إملاء الحديث إلا كبار العلماء وذوو الأصوات الحسنة والجهورية. فهذا
(١) المكتبة الوطنية - الجزائر رقم ٢٢٥٤ مجموع. لا يوجد منها سوى ورقتين مع (الرسالة الغراء) لنفس المؤلف. ولا نعرف مصدرا آخر لباقيها.