لا نريد أن ندرس مختلف أنشطة الكنيسة منذ الاحتلال، فذلك موضوع واسع يخرجنا عما نحن فيه. إنما نريد أن نسلط الضوء على بعض الأنشطة التي تحدد العلاقة بين الكنيسة والإدارة الاستعمارية وكذلك على أدوار بعض رجال الدين الذين تولوا أمر الكنيسة وكانت لهم مخططات خاصة، ومدى علاقة ذلك بالاسلام واللغة العربية والثقافة الوطنية على وجه العموم.
الأطروحة السائدة بين الكتاب الفرنسيين تقوم على أن هناك خلافا بين نوايا وأهداف رجال الدين ورجال الدنيا الفرنسيين في الجزائر، فالعسكريون كانوا لا يريدون إطلاق العنان لرجال الدين ينفذون مخططاتهم بين المسلمين. والحكومة الفرنسية من جهتها تعلن على لسان وسائلها ورجالها أن الهدف من إنشاء الكنيسة وتعيين رجال الدين إنما هو خدمة المستوطنين الأوروبيين وليس التبشير واستعادة المسيحية القديمة وإثارة مشاعر المسلمين. ويقول أولئك الكتاب إن الجنرالات الفرنسيين كانوا غير متدينين، وأنهم كانوا يخشون، كمسؤولين، أن يؤدي نشاط رجال الدين المباشر إلى ثورة المسلمين وعدم الاستقرار. ومن جهة أخرى تذهب الأطروحة المذكورة إلى أن المستوطنين أنواع، وأغلبهم غير متدينين أيضا، لأن منهم الجاهل والصعلوك الذي لم يكن يهتم بالأخلاق والمعنويات ولكن بالمادة والكسب، ومنهم السياسيون الذين هجرتهم الدولة إلى الجزائر في أزمنة مختلفة، وهؤلاء كانوا لائكيين وغير مهتمين بالدين، بالإضافة إلى أن هناك رجال إعلام ومترجمين ينتمون إلى الاشتراكية المثالية والسانسيمونية.
وفي نظر أولئك الكتاب أن الجمهورية الثالثة قد فتحت النار، كما يقولون، على الكنيسة وعلى (الجزويت) بالخصوص، وقلمت أظافرهم، ثم جاء الاعلان عن فصل الدين عن الدولة مع فاتح هذا القرن، فأرغم رجال