الكنيسة على التوارى وتقليص نشاطهم. ومعنى هذا أن السلطة الحاكمة كانت (غير دينية) أو لائكية، وإن التسامح وحرية العقيدة كان هو شعار الحكم الفرنسي في الجزائر. ترى هل هذا صحيح؟
إذا عدنا إلى مراجعة مسيرة الاحتلال سنجد أن السلطة الزمنية والسلطة الدينية (الروحية) كانت غير محددة لدى الحكام الفرنسيين في الجزائر ولدى رجال الدولة في فرنسا الذين لهم علاقة بالشؤون الجزائرية، منذ تقرير العقيد كليرمون تونير الذي قدمه إلى شارل العاشر لإقناعه بالموافقة على الحملة ضد الجزائر، كان الدافع الديني قويا في أذهان الفرنسيين. فقد وعده بأن الحملة ستحقق انتصار الكنيسة الكاثوليكية على الاسلام واستعادة المسيحية إلى إفريقية (الجزائر) كما كانت قبل الاسلام. ومن يتأمل في العبارات الواردة في التقرير المذكور، وفي غيره، يدرك أن الروح التي كانت تقود رجال الدولة الفرنسية عندئذ تكاد لا تختلف عن الروح التي كانت تقود ايزابيلا وفيرديناند في الأندلس ثلاثة قرون قبل ذلك.
وبالرجوع إلى أدبيات الحملة نفسها بعد نجاحها نلاحظ السلوك الديني لدى الجنرالات وعلى رأسهم بورمون وكلوزيل ثم من جاء بعدهم، بمن فيهم بوجو وراندون. فإقامة القداس الأول على يد القس شارل زكار الداعية المعروف والملازم لبورمون، وتولية العسكريين الشؤون الدينية إلى حين مجيء دوبوش سنة ١٨٣٨، وإقامة القداسات بعد معارك (النصر) الشكر الله على رضاه وتوفيقه ضد (الكفار) المسلمين، وإحاطة القساوسة بالأبهة وإدخالهم إلى مراكز نشاطهم مرفوقين بالفرق العسكرية، كما حدث للأب سوشي في قسنطينة، كل ذلك يدل على أن ممثلي الدولة الفرنسية في الجزائر لم يكونوا لائكيين، كما يريد البعض أن يفهمونا في عصر الليبرالية واللائكية.
وأوضح من ذلك موقف ممثلي السلطة الفرنسية من الدين الاسلامي نفسه في الجزائر. فهم، وليس رجال الكنيسة، الذين داسوا على اتفاق ٥ يوليو،