للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المولود الزريبي، وفتح محلا لتجليد الكتب في العاصمة. وقال عن نفسه (فأنا في هذا قد سددت فراغا وقمت بمهم) (١). وكان المغرب متقدما في هذه الصنعة، فلعل محمد العلمي قد نقلها إلى الجزائر وأضاف إليها الطابع المحلي. ومن ملاحظته نعرف أنه قام بسد فراغ في هذا الباب، وهو يعني تجليد الكتب وزخرفتها ربما بالحروف والزخارف العربية التي أضرت بها صناعة التجليد بالحروف اللاتينية.

[الجزائر والشرق عند الفنانين الفرنسيين]

يرجع اهتمام المستشرقين الفرنسيين عموما بالشرق والجزائر إلى ما قبل سنة ١٨٣٠ بعقود. ولكن الحملة الفرنسية هي التي فتحت لهم أبواب الشرق على مصراعيه، فرافقها بعضهم ولحق آخرون في أعقابها. ومن هؤلاء وأولئك بعض الفنانين البارزين أمثال دي لاكروا وهوراس فيرنيه. ثم تلاحقت زيارات الفنانين وإقامتهم بالجزائر و (اكتشافهم) لأسرار وعطور الشرق فيها إلى أن أنشئت (فيلا عبد اللطيف) التي أصبحت في أول هذا القرن مدرسة يتكون فيها الفنانون الفرنسيون الموهوبون، وخصصت لهم المنح والجوائز. فمهمة هذه الفقرة إذن هي تتبع تطور الاستشراق الفرنسي في النواحي الفنية بالجزائر (٢).

تصادفت الحملة الفرنسية على الجزائر مع عنفوان الحركة الرومانتيكية في أوروبا وفرنسا بالخصوص. وكان الرومانتيكيون يبحثون عن المجهول وعن البداية وعن كل ما هو غريب، هروبا من المجتمع الواقعي - الكلاسيكي الذي رأوا فيه الجحيم بعينه. هرب بعضهم إلى البحيرات والجزر النائية، والتجأ آخرون إلى الخيالات البعيدة، واستعمل بعضهم الخريف والحزن والقتامة شعارا لهم في الحياة. وكان سحر الشرق يأخذ بألبابهم ويتصورون فيه الجنة المفقودة. على أن بعض الرومانتيكيين رأوا في المغامرات العسكرية


(١) السنوسي (شعراء الجزائر)، ٢/ ١١٦.
(٢) انظر فصل الاستشراق.

<<  <  ج: ص:  >  >>