للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والروح القومية مجالا لخيالهم الخصب، فكانت الحملة على الجزائر بالنسبة لهذا الفريق فرصة ذهبية لتحقيق أحلامهم وأمجادهم. وللتعبير عما يجيش في نفوسهم لجأ الرومانتيكيون إلى الشعر والرسم والمسرحيات. وهكذا أنتج الفنانون الفرنسيون بعد أن تأثروا بحياة الجزائر الجديدة أعمالا في غاية الروعة الفنية ما تزال محل إعجاب المعجبين.

أننا لا نريد أن ندرس الفن الفرنسي في الجزائر، ولا حياة الفنانين الفرنسيين لذاتها، ولكن هدفنا من عقد هذه الفقرة هو متابعة مدى تأثير الجزائر (الشرقية) على حياة الفنانين الفرنسيين الذين اتصلوا بها، ثم مدى تأثر الفنانين الجزائريين بهذه المدرسة الفرنسية والتفاعل الذي حصل بين الطرفين في مجال الفن. ولا بد من تحديد بعض المصطلحات الأخرى. إن المقصود بالجزائر (الشرقية) هو ما تصوره أولئك الفنانون من حياة البربر والعرب والمسلمين القاطنين في الضفة الأخرى للمتوسط، تلك الحياة المتصلة بالعالم الإسلامي والعربي والإفريقي. ففي رواسب الذاكرة الفرنسية أن هؤلاء القوم هم الذين عاشوا ألف ليلة وليلة، وهم الذين أنجبوا هارون الرشيد، ونقلوا حضارة الهند وفارس، ووصلت حضارتهم هذه إلى الأندلس وجنوب فرنسا وإيطاليا. وإن صلاح الدين منهم، وهو الذي استرجع القدس وما حولها وهزم الصليبيين. وأخيرا فقد كان في رواسب الذاكرة الفرنسية أن القراصنة كانوا أحفاد هارون الرشيد وصلاح الدين، وربما أحفاد حنيبعل أيضا. وقد ساعد دعم البابوية للحملة الفرنسية على إعطاء الطابع الصليبي لها. وكانت تصريحات المسؤولين على الحملة تزيد هذا الشعور إذكاء، فهي تتحدث عن (استرجاع) الكنيسة القديمة في الجزائر، وكانت تتخذ من القضاء على القرصنة حجة لدعم تجار مرسيليا وبرجوازية باريس لها. فكان الفنانون نتاج هذه الظروف كلها.

فتحت الجزائر أمام الفنانين الفرنسيين أبواب المغامرة والأحلام. فالمدن فتحت لهم الشهية في الاطلاع على أسرار القصبة ذات الأسوار العالية، وما تحويه من حريم وخصيان، ومؤامرات وشهوات، وحب للمال

<<  <  ج: ص:  >  >>