للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإنشاء أو الدواوين. فكما كانت إسطانبول (تستورد) رجال الدين كذلك كانت الجزائر في هذا العهد، فأوجه الشبه بين العاصمتين إذن أكثر من أوجه الاختلاف في هذا المجال.

[مكانة العلماء ووظائفهم وميزاتهم]

وظهور العلماء كفئة متميزة ليس وليد العهد العثماني لا في الجزائر ولا في غيرها من العالم الإسلامي، فقد بدأ - كما نعلم - منذ استولى على شؤون المسلمين حكام جهلة ليس لهم صلة بالحضارة الإسلامية واللغة العربية ولا بأمور الدين، ومن ثمة منذ ضعفت الدولة الإسلامية. فجهل الحكام هو الذي مهد لظهور العلماء كفئة متميزة ليسدوا الفراغ كمستشارين ومشرعين ومفسرين. وأصبح شعار العلماء هو أنهم هم (حماة الدين) و (مصابيح الظلام)، بينما لم يكن الأمر كذلك حين كان الحكام علماء والعلماء حكاما. وبالنسبة للجزائر فإننا نعرف أن دولة بني زيان مثلا قد اتخذت من العلماء مستشارين ومن المثقفين كتابا ومادحين ولكنها لم تفتح وظيفة باسم (شيخ الإسلام)، ونفس الشيء يقال عن قسنطينة تحت الحفصيين ومدينة الجزائر قبل أن يجعلها العثمانيون عاصمة للقطر كله.

ولعل كون الحكام العثمانيين في الجزائر غرباء عن الثقافة العربية وعن تاريخ الحضارة الإسلامية والتشريع الإسلامي هو الذي جعلهم، كولاة وسلاطين، يتأثرون بشؤون الحكم من سياسة واقتصاد وجيش وإدارة، تاركين القضايا الأخرى التي لها مساس مباشر بالدين في أيدي فئة أخرى هي فئة العلماء، وهكذا بدأوا في تطبيق القوانين الوضعية والشريعة الإسلامية، وهو ما يسميه الأوروبيون الفصل بين الدين والدولة. وقد أضاف سلاطين آل عثمان، وعلى رأسهم سليمان القانوني، مجموعة من القوانين المستمدة من العرف ومن حضارات أخرى ومن حالات الضرورة، وأصبحوا هم كحكام المشرفين على تنفيذها، بينما القضايا المستمدة من روح الشريعة الإسلامية

<<  <  ج: ص:  >  >>