يغير الحال. وهكذا أعطى مادة لأهل التصوف فأصبح شعره على لسان الأهالي في الطرق الصوفية. وقد أنهى المختار بن فرحات قصيدته بالصلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم)، وبطلب الدعاء لأبيه ولنفسه. ولكن ماسينيون لم يذكر النص العربي للقصيدة، ولذلك نكتفي بالمعاني التي أوردها منها. وكم ضاعت من نصوص جزائرية مع المستشرقين الفرنسيين!.
أما عن نهاية الشاعر فهي مأساة حقا. فقد تاه في المدينة ولم يسعفه أحد في عمله ولا في دراسته، وهجره الناس، كما ذكرنا، رغم أن ماسينيون يدعي أن المجتمع الإسلامي هو الذي لم يأت لنجدته، ولكن الإدارة الفرنسية هي التي لها (المكتب الخيري) الذي زعمت أنه حل محل أوقاف مكة والمدينة التي استولت عليها منذ الاحتلال. ولو كانت الأوقاف على عهدها في العناية بالفقراء والغرباء لما كان مصير هذا الشاعر كالذي ذكره ماسينيون. وكم عاني أمثال هذا الشاعر نتيجة الحرمان والإذلال واليأس. لقد أدمن الشيخ المختار على الخمر، وعاش وحيدا غريبا، ومهملا، وهو الأمر الذي عجل بنهايته، كما تنبأ، فمات سنة ١٩٠٦ ولم يتجاوز عمره الخامسة والأربعين (١). وكان ماسينيون يعرف أن الإدارة الفرنسية كانت تساعد المتنورين الجزائريين على إدمان الخمر والإهمال حتى يظلوا في غيبوبة ولا يتفطنوا إلى واجباتهم الوطنية والدينية. وقد شهد ابن نبي شيئا من ذلك ورواه في مذكراته.
[أغراض أخرى للشعر الشعبي]
تناول الشعراء الشعبيون أغراضا أخرى غير ما ذكرنا. فهناك الموضوعات المتعلقة بالدولة العثمانية ومشاركة الجزائريين في حرب القرم
(١) لويس ماسينيون (قصيدة في ذم الزمان) في (مجلة العالم الإسلامي)، يوليو - غشت ١٩٠٩، ص ٢٨٨ - ٢٨٩. رمز ماسينيون إلى اسمه. L.M . ولم يذكر ما إذا كانت القصيدة فصيحة أو ملحونة، وقد رجحنا أن تكون من النوع الأخير.