لأننا عرفنا أن نسبة المتعلمين منهم أيضا كانت ضئيلة جدا.
[التعليم في المدارس القرآنية]
كل مسلم تقريبا يعرف طريقة حفظ القرآن التقليدية عند الأطفال: الجامع في المدن، والشريعة (الخيمة) في البادية، والمؤدب، واللوحة، وقلم القصب، ودواة السمق، والطين، والعصا، والجلوس المربع، ورفع الأصوات بالقرآن عند الحفظ، والتنافس على الحفظ بين الأطفال، ثم الختم والاحتفال به في المنازل، وأخيرا التخرج كطالب والقرآن في الصدر، كما يقولون.
لكن هذا تبسيط كبير للموضوع. وهو ما آل إليه تعليم القرآن في العهد الفرنسي. لقد درس الفرنسيون وضع هذا التعليم منذ أوائل الاحتلال، ورأوا أنه تعليم قاعدي تنبني عليه الدراسات الإسلامية في البلاد، وفي العالم الإسلامي كله. فإذا حاربوه ومنعوه ثارت عليهم ثائرة السكان، فاتفقت كلمتهم على الإبقاء عليه مع تجريده من مؤسساته في المدن، كما سنرى، والتحكم في المؤدبين من الناحية المالية والفكرية، وقطع التواصل بينه وبين التعليم المتوسط والثانوي، ومنع المؤدبين من تجاوز الحفظ إلى التفسير والتفهيم أو تعليم أي مادة أخرى معه، ثم إنشاء المدارس الضرة إلى جانبه، ونعني بها المدارس الفرنسية ذات الطراز العصري والبرنامج العملي والمنهج المتطور.
وبذلك أصبح حفظ القرآن نوعا من العبادة فقط كالصلاة التي لم يمنعها الفرنسيون أيضا. ولكنه حفظ لا يقدم شيئا للمتعلم في الحياة إلا العقيدة في البركة. وقد حاولت بعض الزوايا منذ الستينات أن تربط بين حفظ القرآن وبرنامج التعليم، فكان التلاميد فيها ينتقلون من الابتدائي القرآني إلى المتوسط فالثانوي. وبذلك استمرت تجربة التعليم القديمة في هذه الزوايا. وكان المتخرجون منها يدخلون أحيانا إحدى المدارس الشرعية الرسمية (قبل ١٨٧٦)، ويتفوقون في مسابقاتها على زملائهم. وكان بعضهم أيضا يغترب في المغرب أو تونس لمواصلة التعليم، ولكن الأغلبية الساحقة كانت تكتفي بما حصلت عليه في الزاوية لعدم وجود غيره، وقد بقيت قاعدة تعلمهم هي