أما الجيل الذي توظف للفرنسيين في الفترة الحالكة، فترة إهمال التعليم مطلقا، ومصادرة أوقافه وهدم مؤسساته، ومحاربة العلماء والمفكرين، فليس فيه أمثال هؤلاء، وقد انقطع عنهم السند العلمي، كما لاحظ محمد بيرم الخامس، فكانوا يكتفون بالكتب الصغيرة والملخصات، والإجازات السمعية، دون أن يرحلوا في طلب العلم أو يتلقوه على يد فحول متصلي السند واسعي المعارف. وسنذكر أنهم، حسب التنظيمات والتصنيفات الفرنسية، كانوا فقراء الجيب والعقل أذلاء العين والرأس، باستثناء النادر الذي لا يقاس عليه. ومن غير الممكن ذكر قائمة بهؤلاء المدرسين الذين تعينهم الإدارة الفرنسية لتدريس مادتي التوحيد والفقه عادة، للعامة وأشباههم. وحسبنا أن نذكر بعضا ممن اشتهر أمره:
١ - مصطفى القديري: المعروف بمصطفى بن أحمد، حسب ختمه الرسمي. تولى القديري سنة ١٢٥٩ (١٨٤٣) وظيفة المفتى المالكي في الجامع الكبير بالعاصمة، مكان الشيخ مصطفى الكبابطي، الذي عزله بوجو Bugeaud لرفضه فتح المدرسة القرآنية للمعلم الفرنسي لكي يعلم فيها اللغة الفرنسية للأطفال. وقد عثرنا للقديري على بعض الرسائل الإدارية التي كانت تصدر عنه إلى السلطات الفرنسية طالبا فيها منها توظيف شخص أو الإعلان عن غيابه أو وفاته، ونحو ذلك مما يدخل في عنايته كمسؤول عن شؤون موظفي الديانة الإسلامية، كما كانت تسمى. وآخر رسالة منه تحمل تاريخ ١٨٥٢. وكان قد تولى الوظيفة المذكورة وهو كبير السن، ولم يكن معروفا بعلمه السابق ولا بوظائف أخرى تولاها مثل زملائه. ولعله كان من (ناس الحضور) في الجامع الكبير أو من قراء البخاري قبل أن يتولى الوظيفة الرسمية. كان الشيخ القديري، كما وصفته المصادر الفرنسية، طوع بنان إدارة الشؤون الأهلية. وهي تصفه بالمتسامح، أي الذي لا يقف ضد رغباتها أو يعترض على بعض التصرفات المنافية لاتفاق ١٨٣٠. وكان له ابن أكثر منه تسامحا،