وقد طلب المفتي من السلطات الفرنسية تسهيل مهمة ابنه للدراسة في فرنسا وزيارتها، الخ. ولخموله لا نعرف للشيخ القديري موقفا سوى قبوله أوامر بوجو، ولا مؤلفا ولا درسا شهيرا، ولم يرجع إليه أحد فيما نعلم، للإجازة (١).
٢ - محمد الأرناؤوط: ليس لهذا الشيخ مصادر كثيرة عندنا، إنما نعرف من جريدة (المبشر) الرسمية التي أبنته أنه تولى عدة وظائف ومنها الافتاء والتدريس بالعاصمة. وكان على المذهب الحنفي، وهو من أصول عثمانية (ألبانية). ولد بالجزائر حوالي ١٧٩١ وتوفي في ٢٨ رمضان الموافق ٢٤ أكتوبر، ١٨٦٥، عن ٧٤ سنة. وكان معاصرا لزميله القديري. ويبدو أنه أوسع من زميله علما وعملا. فقد درس بالجزائر على جيل ابن الأمين وابن الشاهد، وأصبح فيها مدرسا إلى سنة ١٨٣٥ حين ولاه الفرنسيون وظيفة القضاء. ونادرا ما كان الفرنسيون يثقون عندئذ في العلماء ذوي الأصول العثمانية، ويبدو أنه كان استثناء بينهم. وقد بقى كذلك في القضاء إلى سنة ١٨٤٢.
ولأسباب مجهولة ربما هي نفس الأسباب التي جعلت الكبابطي يعزل من منصبه، استقال الأرناؤوط من وظيفته في هذه السنة وطلب الرخصة للحج، وهي الطريقة الوحيدة للهجرة بدون اتخاذ موقف سياسي. واغتنم هذه الفرصة، حسب الجريدة، فبقي في القاهرة والاسكندرية ثلاث سنوات، وربما لقي زميليه ابن العنابي والكبابطي، ثم رجع إلى الجزائر وتولى فيها وظيفة التدريس، سنة ١٨٤٥، ثم الفتوى أيضا سنة ١٨٤٨، وقد بقي في الوظيفة الأخيرة إلى وفاته. ولا ندري إن كان قد تلقى العلم في الأزهر أثناء إقامته في القاهرة، والغالب أنه قد فعل، ولم تتحدث (المبشر) عن حجته، فلعله قد أتمها. ولكنها تحدثت عن أبنائه الذين كانوا يخدمون فرنسا، تمويها منها على الناس ليفعلوا مثلهم، وقالت أنه كان (خزانة علم) وأنه دفن في
(١) انظر دراستنا عنه في أبحاث وآراء ج ٣، ط ٣، ١٩٩١، مع ذلك المصادر التي أخذنا عنها.