ندرس في هذا الفصل مفهوم التاريخ عند الجزائريين وإنتاجهم فيه وفي
التراجم والسيرة والتواريخ المحلية والرحلات ونحو ذلك كالجفرافية، ومما يلفت النظر ندرة الكتب التاريخية في القرنين العاشر (١٦ م) والحادي عشر (١٧ م)، بينما حفل القرن الثاني عشر (١٨ م) بعدد من التآليف فيه، كما أننا لا نكاد نجد رحلة حجازية خارج القرن الثاني عشر، أما التراجم فقد عمت جميع العهد العثماني ولكنها كانت في القرن العاشر قليلة أيضا، ومن جهة أخرى لا نكاد نجد كتابا في الجغرافية من تأليف الجزائريين اللهم إلا ما جاء عرضا في كتب التاريخ والرحلات من وصف المسالك وتخطيط البلدان وتنسيب القبائل، ونحو ذلك.
[مفهوم التاريخ]
ويبدو أن سيطرة التصوف والروح الدينية السلبية قد أضعفت العناية بعلم التاريخ والسير وأخبار الأولين، ومن ثمة أضعفت دافع التأليف فيها. ذلك أن كثيرا من الجزائريين الذين كتبوا في التاريخ، رغم ذلك، قد لاحظوا الضعف وعدم الاهتمام بعلم التاريخ. فقد قال ابن المفتي بأن (تلك الأخبار رسمها بالجزائر مندرس، وما كتبه ذوو الرحلة في شأنها وشأن العلم فيها غير مقتبس)(١)، وهو يشير بذلك إلى أن التأليف والعناية بالتاريخ والأخبار لم تكن تحظى بالاهتمام، كما أن ما كان منها مكتوبا منذ القديم لم يقلده المقلدون أو يرجع إليه الراغبون، ورغم تصوف الورتلاني فقد لاحظ أن الجزائريين كانوا يحسبون التاريخ أمرا مضحكا لا يدرسه أهل الجد والدين،