يمكن القول إن ساحة الشعر كانت خالية من الفرسان عشية الثورة، فقد أدى شعراء ما بين الحربين دورهم وانتهوا بالانطواء على أنفسهم، فلم نعد نقرأ لمحمد العيد وجيله سوى قطع في مناسبات محدودة ينشرونها في البصائر أو المنار أو النجاح أو هنا الجزائر وأمثالها من الصحف القليلة ذات المشارب المختلفة.
وخلت الساحة من أبي اليقظان (إبراهيم بن عيسى) ومحمد اللقاني والعمودي، بل حتى من الهادي السنوسي ومفدي زكرياء وأمثالهم ممن ضمهم كتاب (شعراء الجزائر في العصر الحاضر)، كانت القضايا التي ناضلوا من أجلها قد نضجت وبدأت تأتي أكلها في الأحزاب السياسية والجمعيات الوطنية ودخلت في صراع غير متكافى مع الاستعمار منذ الحرب العالمية الثانية، وهو الصراع الذي انتهى بمجزرة الثامن مايو التي أذهلت كل شاعر وكل مثقف وكل سياسي.
لم يكن جيل الشعراء الذين ظهروا بين ١٩٤٥ - ١٩٥٤ متفرغا للشعر. كان يعيش الحركة الوطنية في أبعادها المختلفة، بل لقد توزع في اتجاهاته بين الطرفية والوطنية والرومانسية، لم يكن كله من أنصار هذا التيار أو ذاك، كما برد الحماس للسياسة الحزبية لأنها لم تنتج قيادة مقنعة ولم تعبر عن طموحات الشعب أو تحقق الآمال التي وعدت بها، فسكت مفدي زكرياء شاعر حزب الشعب واشتغل بالتجارة، وانزوى محمد العيد مرددا:
وجنحت للحرم الذي فارقته ... زمنا جنوح الطير للأوكار
وفضل أحمد سحنون أداء رسالته في شعر الوعظ والإرشاد وتوجيه. الشباب الجديد، فكان يخاطب المعلم بهذه الأبيات الحية المتفائلة بمستقبل الوطن والأمة:
هات من نشء الحمى خير عتاد ... وادخرهم لغد جند جهاد