الأشرف أحد صناعه على الورق ولكنه لم يستطع تطبيقه على أرض الواقع. ومن جهة أخرى يقر الأشرف بأن فكرة الثورة لم تنبع من الريف الذي اكتفى بالمحافظة على الأرض انطلاقا من غريزة حب البقاء، وأن المجتمع الريفي أصبح هيكلا خاليا من أية ثقافة ومن أي وعي سياسي، بل هو مجرد هيكل للمحافظة على العادات والتقاليد، ولكنه هو العمدة في تحرير البلاد، أما فكرة الثورة فقد نبعت من المدينة، ولعل الأشرف كان يقيس وضع الجزائر في القرن التاسع عشر بوضع فرنسا في القرن السادس عشر عند ظهور الوعي القومي السياسي على أنقاض الإقطاع الريفي، كما أنه لم يري المسألة الثقافية، ولو تمعن لتأكد أن خميرة الثقافة الوطنية التي هي منطلق هويتنا قد بقيت في الريف وليس في المدينة (١).
[الثقافة في بيان أول نوفمبر]
تناول بيان أول نوفمبر بالشرح والتعليق عدد من الكتاب والمؤرخين فرأى فيه البعض وثيقة كاملة تضمن كل ما يعبر عن الجزائر في ثورتها وما هو أبعد من ثورتها، ورأى فيه آخرون وثيقة ظرفية الهدف منها توضيح الأسباب الداعية إلى تفجير الثورة وشروط الصلح ووقف القتال مع العدو والهدف من الثورة وهو استرجاع الاستقلال الذي اغتصبه المحتلون سنة ١٨٣٠، فهل تعرض البيان إلى المسألة الثقافية؟ وهل كان صائغوه مؤهلين للحديث عن ماضي وحاضر ومستقبل الجزائر الثقافي؟ إلى أي حد كان بيان أول نوفمبر معبرا عن الهوية الثقافية للجزائر؟ إن الذين تناولوه بالتحليل معظمهم من المتعاطفين مع أصحابه وبالتالي رأوا فيه وثيقة كاملة تضمن كل هموم الجزائر ومشروع مجتمعها أثناء الثورة وما بعد الاستقلال، ولكن الذين انتقدوه رأوا فيه وثيقة كتبت على عجل وبقلم بسيط وفكر ساذج، وكان همها الوحيد انطلاق الثورة وليس بناء المستقبل.
(١) مصطفى الأشرف، الجزائر: أمة ومجتمع، ١٩٨٣، ص ٤٥٧.