معينة، فإن تيار (معاداة المثقفين) قد امتد أيام الثورة حتى شمل عددا من العاملين في صفوفها بل حتى إلى الطلبة الذين ظهرت منهم كوكبة أخذت تعمل في داخل الثورة نفسها وفي أجهزتها الخارجية في الإعلام والدبلوماسية والسياسة ضمن الوفد الخارجي لجبهة التحرير أو ضمن المنظمات المساندة للثورة والجبهة مثل اتحاد الطلبة، وكان المسؤولون في الثورة يحتاجون فئة المثقفين وفي نفس الوقت يخشون منها - كما سبق - حاضرا ومستقبلا، ولكن ذلك كان يجري تحت الرماد وقلما طفا على السطح إلا في حالات نادرة.
وفي كتابات فرحات عباس، وهو من أبرز المثقفين زمن الثورة وكان رئيسا لحكومتها المؤقتة، وصف دقيق للصراع الذي كان يدور في لقاءات واجتماعات هيئات الثورة مما لا يدع مجالا للشك في أن الجماعة كانوا، بصفة عامة، في مستوى فكري وثقافي هابط، ولم تكن لدى فرحات عباس أية عقدة من المثقفين ولذلك أعلن بافتخار للطلبة في إحدى المناسبات التي جمعته بهم أن الثورة استطاعت في سنوات قصيرة أن تكون منهم إطارات للجزائر المستقلة أكثر مما كون منهم الاحتلال خلال ١٣٠ سنة، وفي كتبه التي ألفها بعد الاستقلال وصف فرحات عباس مجالس وأحاديث زملائه قادة الثورة وصفا لا ينسجم، من الناحية الفكرية والثقافية، مع مسؤولياتهم التاريخية.
[ابن نبي عن فانون]
ولنبدأ بحديث مالك بن نبي عن فرانز فانون، فقد تعاصر الرجلان، وتشابها في التفكير الثوري والانتماء إلى الجزائر الرافعة علم الحرية ولكنهما اختلفا اختلافا بينا في طبيعة الولاء وعمقه والهدف منه، حتى أصبح من الصعب الجمع بينهما على صعيد واحد لأنهما ينتميان روحيا ووطنيا وعمليا إلى مدرستين مختلفتين: مدرسة تنبع فلسفتها من داخل الجزائر ومدرسة تستمد حيويتها من خارج الجزائر، وليس في ذلك غضاضة في التركيب الشخصي والمزاج ولكن في الطبيعة نفسها، فالطبيعة هي التي أنشأت فرانز فانون في