للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المارتنيك وأنشأت مالك بن نبي في الجزائر، والطبيعة نفسها هي التي رسخت روح المسيحية أو الإلحاد في فانون وروح الإسلام والوحدانية في ابن نبي، وربما لا دخل لأي منهما في ذلك، فكل منهما يمكنه أن يقول مع المعري: (هذا ما جناه أبي علي)، هذا التحليل قام به مالك بن نبي نفسه بكل صراحة رغم أنه معني به أيضا.

فقد قارن بين فانون وبين غيره في العلاقة بالجزائر وثورتها وتقاليدها ودينها، وليس هذا (الغير) سوى مالك بن نبي نفسه، كما نظن، يقول ابن نبي: أشير هنا إلى قضية فرانز فانون، مع كل التأثر والتقدير اللذين يستشعرهما كل جزائري عند ذكر فانون، إن عمله سيظل ذا قيمة لا تقدر، ولكنه في نفس الوقت لا يمكنه أن يقود نشيد النضال والعمل للشعب الجزائري لأنه لا يغوص إلى الجذور العميقة في ذاتية هذا الشعب، ولا هو يعانق كلية موضوعيته الاجتماعية والتاريخية، وهذا نقد في غاية الصرامة والوضوح بل وغاية الموضوعية، فمن هو القادر على عزف النشيد الحقيقي للشعب الجزائري، ومن هو القادر على ربط النشيد بالنضال التحرري، والغوص إلى الجذور العميقة في تاريخ الجزائر؟ لقد عرف ابن نبي أولا النشيد بأنه هو الذي يقوم بحشد المكثف للشحنة الكهربائية وهو (أي النشيد) بذلك لا يمكنه أن يتشكل على مسجل أجنبي لأن عملية تركيب النشيد تتم داخل روح الشعب أولا، إذن لقد حاول فانون عزف النشيد ولكنه سجله على سجل أجنبي فلم يبلغ مداه رغم أنه قام بحشد المكثف الكهربائي له، ولكن من خارج التركيبة التي لا تتم إلا داخل روح الشعب الجزائري.

وقد ضرب ابن نبي مثلا حيا على ذلك بقصة غاندي ورفاقه الانجليز. فهؤلاء الرفاق الذين ساعدوه على المطالبة بحقوق الهنود المشروعة، هم الذين - في نظر ابن نبي - عزفوا (النشيد العظيم) الذي قاد الأمة الهندية إلى التحرير، ولكن ذلك لا يكفي، فقد بقي الموقف في حاجة إلى من يتقمص روح الهند الأصلية، ومن ثمة كان دور غاندي الحقيقي، فهو الذي جمع جوهر

<<  <  ج: ص:  >  >>