للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في أحرج الظروف وفي أخطر الأماكن. ومن هؤلاء الشيخ مصطفى الرماصي الذي كان يسكن بأهله بيوت الشعر في رأس أحد الجبال أيام الفتح الأول لوهران. ومع ذلك لم يتوقف عن التدريس. وكذلك كان الأساتذة الذين حملهم الباي محمد الكبير على التدريس في جبل المائدة قرب وهران عند الفتح الثاني لها.

وقد روى ابن مريم أن الشيخ علي بن يحيى السلكسيني، وهو في نظره من الأولياء المتصوفين، كان محققا في الفرائض والحساب والرسالة ومختصر ابن الحاجب الفرعي ومختصر خليل وعقائد السنوسي وأحكام القرآن وأنه كان يظل نهاره صائما يدرس العلم في جامع أغادير بتلمسان ولا ينقطع عن التدريس إلا وقت الصلاة والأذان. وكان من حرصه على الدرس أنه لا ينقطع عنه حتى عند توجهه للأذان أو أدائه عملا آخر. فقد كان إذا خرج إلى ضيعته يرافقه القراء إليها في الذهاب والإياب، وهو على ظهر دابته يدرس لهم. ولم يكن يسمح لأحد بمساعدته على خدمة الأرض التي كان يحرثها بنفسه (١). ولا شك أن هذا المثال يتكرر. وروي أن الشيخ يحيى بن صالح الأفضلي، شيخ عبد العزيز الثميني، كان منقطعا للتدريس في بني ميزاب (٢). فقد كان التعليم عند بعض رجال التصوف، وخصوصا في الريف، نوعا من العبادة والجهاد أيضا. وسيمر بنا أن الشيخ عمر الوزان في قسنطينة قد اعتذر لأصحاب السلطة عن قبول وظيفة القضاء وتمسك بوظيفة التدريس.

٢ - أجور المعلمين:

ولكن ليس كل المؤدبين والمدرسين والأساتذة متصوفة لا ينتظرون من تعليمهم جزاء ولا شكورا. فقد كان معظمهم، على عكس ذلك، حريصين كل الحرص على تأمين قوتهم وكسب معاشهم سواء عن طريق الأوقاف أو


(١) ابن مريم (البسان)، ١٤٥، وقد توفي السلكسيني سنة ٩٧٢ هـ.
(٢) انظر عنه مقدمة كتاب (النيل) لعبد العزيز الثميني.

<<  <  ج: ص:  >  >>