عن طريق الأجور الشهرية التي يدفعها الأهالي أو عن طريق الهدايا والعطايا التي تجود بها أيدي المحسنين من وقت لآخر. فما هي إذن أجور المعلمين؟ الواقع أن هناك غموضا كبيرا حول هذه النقطة. فليس هناك قوانين أو تقاليد ثابتة نرجع إليها في هذه القضية. ذلك أن بعض الباحثين قد تحدث عن كون الأوقاف هي كل شيء وكون الدين هو المتولي للنفقة على التعليم. ومنهم من رأى أن نفقات التعليم الابتدائي كانت هينة جدا لا تكلف الدولة شيئا ولا تكلف الآباء أيضا إلا مبلغا زهيدا. ومنهم من تحدث على أن التعليم في الجزائر العثمانية كان مجانيا وحرا وأنه كان نموذجا للمشاريع الاجتماعية والعلمية التي تتم بأبسط النفقات.
فإذا عدنا إلى وثائق الوقف وجدناها، كما عرفنا، تنص على تخصيص مبالغ للمعلمين إذا كان الأمر يتعلق بمؤسسة للتعليم، كما كانت تنص على توفير السكن لعدد من الطلبة الدارسين والطلبة العلماء الذين لا سكن لهم أو الذين كانوا فقراء. فهذه زاوية القشاش قد نصت وقفيتها على تخصيص مال لأستاذ مكلف بتدريس الشريعة والتوحيد إلى جانب عشرة قراء في مختلف العلوم. ونصت وقفية جامع عبدي باشا على صرف خمسة ريالات فضية لأستاذ ملحق بالجامع وصرف ريال لمساعده أو مسمعه. وحين ألحق الباشا محمد بن بكير مدرسة بالجامع المذكور نص في وقفها على تخصيص مبلغ لأستاذ ملحق بالمدرسة. وكانت أوقاف سبل الخيرات تنفق بسخاء على مدرسي وأساتذة الجامع الجديد، كما كانت أوقاف الجامع الكبير بالعاصمة تكفي مؤونة مدرس الفقه المالكي وأربعة دنانير لمساعده أو مسمعه. ولما أسس الحاج محمد خوجة المكتابجي زاويته المعروفة باسم زاوية شيخ البلاد نص في الوقفية (وعددها ألف قطعة سلطاني ذهبا) على تخصيص محبوب منها لأستاذ يتولى فيها تدريس العلوم النظرية والعلمية والأصول والفروع والآداب والجدل إذا وجد من يجمع كل هذه العلوم وإلا فمن يحذق بعضها.
وقد أجرى صالح باي في قسنطينة على الأستاذ الذي يتولى التدريس في مدرسته ثلاثين ريالا شهريا. وثبت من السجل الذي أمر به لضبط