٣٤ - الجزائر تحت الرعاية الفرنسية ضد الاقطاعية الجزائرية، تأليف سعيد الفاسي، سنة ١٩٣٦.
[ظهور مالك بن بني]
يمثل مالك بن نبي مدرسة فكرية مستقلة بين المدارس الفكرية التي عرفتها الجزائر منذ الحرب العالمية الأولى. فلا هو من تيار المدرسة الاستعمارية التي نشأ فيها أمثاله وأخذوا علمها ولغتها، أي أولئك النخبة الاندماجية أو النخبة الإسلامية التي رضيت بالوظيف بعد التخرج واكتفت بما تطعمها به الإدارة الفرنسية. ولا هو من تيار المدرسة السياسية التي أنشأها الأمير خالد ثم نجم الشمال الإفريقي ثم حزب الشعب، إذ كان ابن نبي كثير النقد لهذه المدرسة ولا سيما أثناء زعامة مصالي الحاج لها. ولم يكن ابن نبي من التيار السياسي الآخر الذي بناه الدكتور ابن جلول وفرحات عباس لأن هؤلاء كانوا في نظره فوقانيين ومنحرفين، ومن ثمة كان أيضا كثير النقد لهم. ورغم أنه كان يحس بالطبيعة أنه من تلاميذ مدرسة ابن باديس فإنه كان أيضا بعيدا عنهم لضيق مجالهم وتخليهم عن دورهم الأساسي في نظره ثم لسذاجتهم. وهكذا كان ابن نبي كثير النقد للمدرسة الإصلاحية أيضا، ولم يسلم من نقده لا ابن باديس ولا العقبي ولا التبسي. ولذلك قلنا إنه كان مستقل الفكر ويمثل مدرسة على حدة.
ينتمي ابن نبي إلى بيئة مزدوجة. ففي قسنطينة حيث ولد سنة ١٩٠٥، كان يجد حياة المدينة العربية الإسلامية من جهة والمدينة الأوروبية من جهة أخرى. وفي تبسة حيث أصول والدته وحيث درس المرحلة الابتدائية، وجد ألفي سنة من تاريخ الجزائر ممثلة في بقايا الآثار الرومانية وفي الزوايا الصوفية. وفي تبسة أيضا نفس الازدواجية التي لقسنطينة حيث الحضارة والبداوة. ويمثل البداوة قبائل النمامشة وأولاد سيدي يحيى وأولاد سيدي