عبيد. بينما المعالم الأوروبية تتمثل في مدرسة السيدة بيل والبلدية المختلطة ومسجلات الأغاني العصرية.
وفي هذه الازدواجية الضاربة في العمق كان المجتمع الجزائري يشهد تحولات كثيرة، فعائلات قسنطينة الغنية كانت (تتصعلك) - حسب تعبير ابن نبي نفسه - وتترك مكانها لعناصر جديدة لا تتورع عن شرب الخمر وممارسة القمار والتخلي عن الملابس المطرزة والطرابيش. إنها عائلات أخذت تفقد أصالتها وتقبل على تقليد الأوروبيين. أما الفقراء فقد كانوا يزدادون فقرا لانتزاع أراضيهم وإعطائها إلى الكولون ولتطبيق قوانين الأندجينا في الغابات والرعي وفقدان التوازن بين المدينة والريف. أما في تبسة فالتحول كان يظهر في أيام الأسواق وجلسات المقاهي وزيارات المسؤولين من جهة، كما يظهر في المظالم التي تجري خارج أسوار المدينة الصغيرة وحيث تبدأ حياة الريف الحقيقية. وزيادة في هذا التناقض والازدواجية كانت جدتا امن نبي ترويان له في صغره ما حل بهم أثناء هجوم الاستعمار الفرنسي على قسنطينة وعلى تبسة وما أصاب العائلات والبنات من هلع وخوف ومن سلب ونهب ومن تشريد وضياع، فكانت الصورة التي تكونت عند ابن نبي وهو في طفولته أن الجزائر مغتصبة وأن الذي اغتصبها هو الفكر الآخر. وأن قومه كانت تنقصهم معرفة وفهم أنفسهم أولاد ثم معرفة وفهم ذلك الفكر الآخر نفسه.
بعد التعلم الابتدائي في تبسة في المدرسة الفرنسية الوحيدة، وفي الكتاب القرآني الذي لم يتجاوز فيه سورة (سبح لله) رجع ابن نبي إلى قسنطينة ليواصل تعلمه في المدرسة الفرنسية الوحيدة أيضا والمفتوحة بقيود لأبناء الجزائريين (الأهالي) الذين يرغبون في التوظف لدى الإدارة الفرنسية في مجالات القضاء أو التعليم أو الترجمة. وهذه المدرسة كانت تستقبل حتى إلى أوائل هذا القرن أبناء الموظفين في تلك الاختصاصات وأبناء القياد وقدماء المحاربين.
ويخبرنا ابن نبي بأن والده كان موظفا في البلدية المختلطة في تبسة وكان صديقا للحاكم الفرنسي (المتصرف الإداري). ومن أجل ذلك حصل