على مقعد في مدرسة قسنطينة الرسمية. ولم يكن ابن نبي دون المستوى، فقد كان ذكيا شديد الملاحظة وكثير الطموح. ولكن هذه الميزات لم تكن بالضرورة من المرشحات للدراسة عندئذ، سيما الدراسة الداخلية. ومن المفهوم أنه بقي في تبسة طيلة الحرب العالمية الأولى، لأنه لم يبدأ الدراسة في قسنطينة إلا سنة ١٩٢١. كان عمره عندئذ خمسة عشر عاما، وآثار الحرب قد تركت بصماتها السياسية والفكرية المعروفة، غير أن قسنطينة كانت عند دخوله المدرسة تعرف نشاطا جديدا كغيرها من سائر المدن. ظهرت فيها جريدة (النجاح) وحركة ابن باديس التعليمية، وكانت تصلها جرائد تونس بالعربية. وكانت مقاهيها وساحاتها تضج بالحديث عن السياسة والفن والزعامات وحركة الأمير خالد ومسألة الخلافة الإسلامية. ولم يلبث ابن باديس أن أنشأ في قسنطينة جريدة المنتقد ثم الشهاب، ثم صدى تدخلات محمد بن رحال (الخارقة) مطالبا بتعليم اللغة العربية، وقيادة الشيخ الثعالبي في تونس.
قضى ابن نبي أربع سنوات (١٩٢١ - ١٩٢٥) في مدرسة قسنطينة التي كانت تحت إدارة دورنون، ذلك المستشرق الفرنسي الخبير بشؤون الأهالي. وكان دورنون يقوم بالتدريس أيضا، وكان يفتش جميع (دروس) المدرسين المسلمين في المساجد في ولاية قسنطينة ويقدم بشأنهم التقارير لإدارة التعليم في الجزائر. ويقول عنه ابن نبي إنه كان استعماريا حقودا، وإنه كان يفضل الطلبة (الأهالي) الخاملين، ويتوجس من الأذكياء ويعدهم في صف (الشبان الأتراك) الذين كان يطاردهم، ويتهمهم بالشيوعية تارة وبمعاداة فرنسا تارة أخرى. وقد تعرض ابن نبي على يديه إلى عدة مضايقات. وكان يساعده على أداء مهمته الاستعمارية أحد (لشواش) الجزائريين الخبثاء. ومن شيوخ المدرسة تلاميذ عبد القادر المجاوي، وعلى رأسهم ابن الموهوب الذي أثر في ابن نبي واعترف بفضله، وكان ابن الموهوب في هذه المرحلة من زعماء الإصلاح، ومنهم أيضا محمد بن العابد الجلالي صاحب (تقويم الأخلاق) الذي لم ينجذب ابن نبي إلى دروسه رغم أنه كان يدرسهم الفقه والأخلاق.