ولكن الشيخ عبد المجيد قد أثر فيه أيضا لإخلاصه ولأنه اكتشف أنه كان يعادي الاستعمار ويبحث أفكارا متنورة.
تحدث ابن نبي في عدة مناسبات عن آثار رجلين في الحياة العامة بكل من قسنطينة وتبسة أوائل القرن. الرجل الأول هو محمد الصالح بن مهنة الذي كان مدرسا في أحد مساجد قسنطينة منذ الثمانينات من القرن الماضي، وكان ميالا إلى الإصلاح الذي ربما اعتنقه في المشرق عند دراسته بالأزهر، ولكنه كان مصلحا معتدلا، ظهر ذلك في كتبه التي تجمع بين الحديث عن التصوف وعن تحرير العقل. وقد أثار زوبعة في آخر القرن الماضي عندما تعرض لمسألة الأشراف وقال إنهم يحاسبون عن أعمالهم مثل كل الناس وأنهم غير معصومين. وقد تحدث ابن نبي عن صدى دعوة ابن مهنة في قسنطينة أثناء طفولته وربما بقي ذلك إلى تخرجه من المدرسة سنة ١٩٢٥.
أما الرجل الثاني فهو عباس بن حمانة الذي ترك بصماته على الحياة السياسية والاصلاحية في تبسة أوائل هذا القرن. وكان عباس من المتنورين ومن الرجال المتسيسين الذين لهم صوت في مسألة التجنيد الإجباري سنة ١٩١٢. وقد شارك في الوفد الذي توجه إلى فرنسا مطالبا بحقوق الجزائريين. ومن سوء حظه أنه كان في مدينة صغيرة هي تبسة. فكان مستهدفا من الإدارة والكولون هناك لأنه معروف ووحيد تقريبا. ثم إنه أسس مدرسة عربية عصرية كانت الأولى من نوعها في القطر كله وجلب إليها الأساتذة من تونس. ولكن الحاكم الفرنسي هناك وأعوانه لم يغفروا له هذا النشاط فكادوا له وقتل في ظرف غامض. ولكن أثره ظل حيا وقصته ظلت تروى عبرة للسياسيين والمصلحين معا. وطالما ردد ابن نبي هذه الحادثة في كتاباته.
بين ١٩٢٥ - ١٩٣٠، لم يستقر ابن نبي على عمل معين، فقد كانت رأسه مفعمة بالأفكار وقلبه مليئا بالأحلام، مثل كل الشبان الأذكياء ذوي الهمم القعساء، ولكنه كان مثل المتنبي يرى (الليالي من خصومه). زار مدينة