كان التعليم، وما يزال، الأساس الحقيقي لكل ثقافة، ولأي تقدم في المجتمع الإنساني. وقد تحدثت المصادر كما لاحظنا، عن انتشار التعليم بالجزائر خلال العهد العثماني انتشارا طيبا حتى غطى المدينة والقرية والجبل والصحراء، وقد تحدثتا في الفصل السابق عن المورد الرئيسي للتعليم وهو الأوقاف وعن مؤسساته من كتاتيب ومساجد ومدارس وزوايا وعن بعض وسائله الهامة كالمكتبات. وفي هذا الفصل نحب أن نتناول التعليم من نواحيه العلمية والفنية المحضة كسياسة الدولة والمجتمع نحوه، والوسائل التي استعملت لتنفيذه والمناهج التي اتبعت في التدريس والأهداف التي كان يرمي إليها، ثم ننهي ذلك بدراسة لحياة ونشاط بعض الأساتذة الذين قضوا حياتهم في التعليم وتخريج أجيال من التلاميذ.
[سياسة التعليم]
وهل يمكن أن نتحدث عن (سياسة) الدولة نحو التعليم في العهد العثماني؟ لقد عرفنا منذ البداية أن الدولة لم يكن لها أي دخل في هذا الميدان. فلم يكن في الحكومة الجزائرية عندئذ وزير لشؤون التعليم ولا مدير أو وكيل أو نحو ذلك من الوظائف الرسمية. لقد كانت هموم الدولة عندئذ منحصرة في المحافظة على الاستقرار السياسي والدفاع عن الحدود وجمع الضرائب لبيت المال (الخزينة). ولم تكن هذه المداخيل وغيرها تستعمل في نشر التعليم وترقيته وتنميته الثقافية وتنشيطها ولكن في أجور الجنود كثيري القلاقل والثورات. وفي المعدات الحربية، وخصوصا البحرية، وفي توزيع الهدايا والعطايا على السلطان العثماني وموظفي دولته من جهة وعلى موظفي ومحظوظي الأوجاق في الجزائر. ولم تكن هموم الدولة بأية حال منصرفة