للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشيخ أو ما يتميز به عن غيره من أفكار، ولكن تهمهم شخصيته سلطته الروحية، كراماته، فصاحته. وهكذا كانت شخصية ابن طكوك (السنوسية) أقوى من طريقته الصوفية، في نظر بيرك، وكذلك كانت سمعة ابن عليوة وشخصيته أقوى من تصوراته الصوفية التي لا يدركها الناس. وفي بلاد المغرب عموما، حسب رأيه، لا يهتم الناس بفكر الرجل ولكن بالرجل نفسه، وفي الطريقة الكبيرة الواحدة المعروفة بتعاليمها وقواعدها يأتي شخص قوي فيتبعه الناس ويخرج بهم عنها فيتبعونه وينفصل عن الأصل، دون الاهتمام بالفكرة الأولى والتعاليم، فالاهتمام هنا بالشخص بقطع النظر عن العقيدة، وهذا الرأي في عمومه صحيح قياسا على التاريخ والواقع.

أما الملاحظة الثانية التي جاء بها بيرك فهي انتقاده لكل من لويس رين ولديبون وكوبولاني في تناولهم الطرق الصوفية وقضية المرابطين، ملاحظا لهم أن المصير السياسي لهذه الطرق مصير غير موحد وغير مترابط، ذلك أن كتبهم صورت الطرق الصوفية عموما بانها العدوة غير المتهاونة للاحتلال وللحكم الفرنسي، لكن الواقع التاريخي أثبت أن هذه الطرق أصبحت اليوم متهمة بأنها عميلة هذا الحكم ومناصرته، فهل يرجع ذلك إلى التغيير في السياسة الفرنسية، أو يرجع إلى تركيبة الطرق الصوفية نفسها، كما لاحظ الاسكندر جولي؟ واتهم بيرك زميليه ديبون وكوبولاني بأنهما كتبا عن الجزائر بروح ما كان موجودا في باريس، وتصورا مشروعهما عن الإسلام بصورة ما هو في باريس، فلونا الطرق الصوفية في الجزائر بألوان لا تملكها في الواقع، وما كان في باريس عندئذ هو الحملة ضد الماسونية وأعمال الجمعيات السرية الأروبية (١).

[توظيف الطرق الصوفية وتدجينها]

رأى خبراء الفرنسيين بعد ١٨٧١ أن رؤساء الطرق الصوفية قد حلوا في


(١) أوغسطين بيرك، مرجع سابق، (مجلة البحر الأبيض المتوسط)، عدد ١٠، ١٩٥١، البحث بعنوان (أسرى الألوهية)، ص ٢٩٦ - ٣٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>