حين صدر هذا الكتاب بجزئيه الأول والثاني خشيت أن يكون ثقيلا على القراء في حجمه وموضوعه وأسلوبه. فهو كبير الحجم وقد تعود بعض القراء على كتب الجيب والمختصرات، وهو في التاريخ الثقافي للعهد العثماني بينما تعود بعض الناس على الموضوعات المعاصرة الخفيفة ذات الفقاقيع الملونة يتناولونها في مجالس اللهو وموائد الصداقة وندوات السمر، ثم هو كتاب يدون ويحلل، يوثق وينتقد بلغة نعتها بعضهم ممن تعودوا على لغة الجرائد والإعلام المتلفز، بأنها لغة الجيل الماضي.
ومع ذلك فإن خشيتي لم تكن في محلها. فقد نفد الكتاب في أقل من سنة حتى قالت عنه إحدى الجرائد بأنه (بيست سيلر). ورغم أنني لا أدعي القول الفصل، فإنه يبدو لي أن رواج الكتاب يعود إلى موضوعه وأسلوبه معا. ذلك أن الناس تعودوا على وصم العهد العثماني الذي يمثل ثلاثة قرون من تاريخ الجزائر، بالفراغ الثقافي والعقم الفكري، فإذا هم يكتشفون في هذا الكتاب الدليل على حيوية الحياة الثقافية في هذا العهد. كما أنهم تعودوا على المؤلفات الضحلة التي لا يعرف أصحابها معنى للدراسة والمنهجية والرصانة والحياد العلمي فإذا بهم يجدون في هذا الكتاب شيئا لم يألفوه من ذلك، فأقبلوا عليه شغوفين به. ولعل لغته قد عوضتهم عما يجدونه في لغة الجرائد ورطانة دعاة الازدواجية وهجنة أنصار العامية، من سماجة وركاكة وتسفل.
إن كل باحث مجرب يعرف أن سيل المعلومات لا ينتهي بتقديم الكتاب إلى المطبعة. وقد نبهت على ذلك في مقدمة الطبعة الأولى. ومن الحق أن