للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القرن العشرين وهو محيي الدين باش تارزي، قد اعتز بالثقافة الفرنسية بدل العربية واعتبر نفسه وسيطا ثقافيا بين قومه والفرنسيين، بل عبر عن موقف إنسان مستلب الهوية، فقد حاوره صحفي فرنسي من مجلة (الوثائق الجزائرية) اسمه أندريه صاروي Sarrouy فقال له: إذا كنت مرتبطا بالثقافة الفرنسية الكلاسيكية فلأني على يقين أن مبادرتي تجد هوى وتفهما لدى الأوساط الإسلامية، إن إخواني في الدين الذين يعودون إلى أصول متواضعة ومتطورة أصبحوا اليوم متشبعين بالثقافة الفرنسية، عن طريق اتصالهم المتواصل بالأوروبيين، فأصبحت لديهم عقلية فرنسية، إنهم يفكرون ويشعرون بالفرنسية، وهم معجبون بالأسماء اللامعة في تاريخكم وأدبكم، وليس هناك أعز لدى تلميذ في المدرسة العربية - الفرنسية من أن يعرف عن ظهر قلب قصة لافونتين) (١).

إن مثل هذه الآراء ما تزال تعشش بيننا اليوم، وليس هناك من سبيل للتخلص منها سوى تطبيق مبادى الثورة وعزل أصحاب هذه الآراء التي لا تعبر إلا على تذبذب وحيرة أصحابها، ولعل باش تارزي كان فقط يجامل ذلك الصحفي الفرنسي، أو أنه قد غير رأيه بعد سنوات الكفاح الطويلة من أجل إقرار هوية الشعب الجزائري القائمة فعلا على الدين الإسلامي والعروبة الثقافية والوطن الجزائري، وهي العناصر التي بنيت عليها ثقافة الشعب الجديدة منذ الفتح عبر المسيرة الحضارية الطويلة التي اشتركت فيها الرموز السياسية والثقافية (الملوك والعلماء)، كل في مجاله.

[من قضايا الثقافة والأدب]

إذا حكمنا من القضايا التي كانت تداولتها الصحافة فإن الجزائر كانت عشية الثورة تعيش زخما ثقافيا مبشرا بانطلاقة جديدة، حقيقة أن حركة النشر بالعربية تكاد تكون معدومة والكتب التي طبعت خلال العشرية ١٩٤٥ - ١٩٥٤


(١) لطفي محرزي، السينما الجزائرية، الجزائر، ١٩٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>