متقاربان، ولكن ابن نبي أعطى التاريخ معنى أعمق وأوسع، فهو يقول:(كل شعب يجب أن يصنع تاريخه برسائله الخاصة، وبأيديه ذاتها،) والتاريخ في أي مستوى من الحضارة يتم إنجازه إنما يمثل النشاط المشترك للأشياء والأشخاص والأفكار المتاحة في ذلك الحين بالذات، أي في نفس الأوان الذي يواكب عملية إنجازه ... من هنا يجب أن نحلل التاريخ إلى أجزائه الذرية: فالنشاط الفردي يمثل ضمن بعض الشروط المعينة (ذرة) من التاريخ، ويمكننا أن نمثله ضمن أكثر أشكاله بساطة، في صورة نشاط الصانع اليدوي المنكب على عمله والمقص في يمناه، أو في صورة نشاط الجندي المسلح ببندقيته في ميدان القتال، فهذان الآدميان يصنعان التاريخ إذا تحقق لهما توفر الشروط العادية (الإنسان وأدواته)(وكيف يكون ذلك؟ ... ولماذا يكون؟ ...) وإلا يكون العمل عبثا أو مستحيلا (١).
حقيقة إن ابن نبي تحدث عن صنع التاريخ وليس كتابته أو منهجه، ولكنه في النهاية جعل الأشياء والأفراد كلهم يشتركون في صنع (ذرات) التاريخ في نفس الوقت، وفي لحظة ما من نبض الزمن، وبذلك يكون التاريخ هو حقيقة أمة بأسرها، كيف تحس به، كيف تتمثله، كيف تلده؟ ذلك هو سر التاريخ لكل أمة، ولن تنوب عنها في إعطائه الحياة أية أمة أخرى.
[كتابات الأشرف عن التاريخ]
خلال الثورة كتب مصطفى الأشرف فصولا عن الحركة الوطنية وتطور المجتمع الجزائري ونشرها في مجلات فرنسية منها (الأزمنة الحديثة) و (الحضور الإفريقي)، وهذه البحوث لم تطبع عندئذ في كتاب، وهي في علم الاجتماع أكثر منها في علم التاريخ، وقد كتب الأشرف بحوثه بروح وطنية، وكان يبحث، في ركام التاريخ الاستعماري على عناصر الهوية في المجتمع الجزائري في القرن التاسع عشر، فوجدها في عدة معالم ومقومات منها حركة العرائض التي تقدم