للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتبصر أغصان الحدائق سجدا ... تميد من الصوت الحنين وراكعه سقى روضها عهد السحائب فانثنت ... أزاهره بالماء تضحك دامعه وما هي إلا جنة قد تارجت ... مباخرها بالطيب والمسك ساطعه (١)

وقبل أن نختم الحديث عن الوصف نشير إلى قصيدة إبراهيم بن عبد الجبار الفجيجي التلمساني التي قالها في الصيد ومنافعه وشروطه وظروفه، وهي المشهورة بـ (روضة السلوان). وقد عرفنا أنه قد شرحها في القرن العاشر أبو القاسم بن محمد الفجيجي وفي القرن الثالث عشر أبو راس الناصر، وكان ناظم القصيدة مغرما بالصيد، وتدل متانتها ولغتها على تمكنه من نظم الشعر، وقد قال ابن عسكر عنها إنها كانت في أيدي الناس جميعا، وأنها قصيدة معجبة (٢).

[الحنين والشكوى]

وعاطفة الحنين إلى الوطن عاطفة قديمة في الإنسان ولكن الشعراء جعلوا منها أحيانا عاطفة وطنية في عصر ليس هو عصر القوميات، وقد كان الوطن عند بعض الشعراء القدماء هو مربع القبيلة ومرتع الصبا، ثم صار عند المتأخرين منهم هو البلد الذي فيه قوم الشاعر وتحده حدود سياسية ويرفرف عليه علم ذلك البلد ورمزه، ونحن حين نتحدث عن الحنين إلى الوطن عند الشعراء الجزائريين في العهد العثماني فإننا نتحدث عن هذه العاطفة التي تقف

بين الحنين إلى موطن القبيلة وموطن العلم والقوم. فقد شعر الجزائريون

خارج قطرهم بعاطفة تجذبهم إلى المدينة التي ربوا فيها والشيوخ الذين

درسوا عليهم والطبيعة التي شكلت طباعهم وأذواقهم، ثم وسعوا هذا

المفهوم الضيق فأصبح يشمل، في نوع من الغموض مع ذلك، القطر

الجزائري بأسره. وكان الكتاب والشعراء ينسبون أنفسهم، خارج قطرهم، للجزائر، وبدأت تختفي تدريجيا عبارة التلمساني والقسنطيني والزواوي


(١) عبد الرحمن الجامعي (شرح أرجوزة الحلفاوي) مخطوطة باريس، رقم ٥١١٣، ورقة
٣١ - ٣٢.
(٢) ابن عسكر (دوحة الناشر) ٢٢٧، وانظر فصل النثر من هذا الجزء.

<<  <  ج: ص:  >  >>