هذه الكراسي كانوا من مدرسة الجزائر. وإذا كان بعض المستشرقين في فرنسا نفسها لهم نظرة واسعة للمجتمعات الاسلامية، فإن المستشرقين في الجزائر كانوا مرتبطين، كما ذكرنا، بالإدارة الاستعمارية ارتباطا سياسيا، وكانوا مدعومين من قبل لجنة (إفريقيا الفرنسية) التي كان مقرها باريس، ومن قبل زعماء الكولون أمثال يوجين إيتيان ومن الجامعات الفرنسية، ومن اللوبي الاستعماري عموما (١).
أما المرحلة الثالثة والتي لا تهمنا كثيرا هنا، فقد تميزت بالتوسع في إنشاء المعاهد المتخصصة كمعهد الدراسات الشرقية، ومعهد الدراسات الصحراوية، ثم معهد الدراسات العربية. وتحويل المدارس الشرعية الثلاث إلى ثانويات مزدوجة. وبقاء الصلة الوطيدة بين الاستشراق والسلطة الاستعمارية مع انفتاح في الأفق كالتعامل مع النخبة الجديدة التي ظهرت في القيادات السياسية في المستعمرات. ويبدو أن الاستشراق الفرنسي قد عرف هزة عنيفة مع الحرب العالمية الثانية، وثورة الجزائر، والحرب الباردة. ومن أبرز المستشرقين في هذه المرحلة هنري بيريز، وليفي بروفنصال، وكانتينو، وروبير برونشفيك.
[حلقات اللغة العربية]
عرفت الجزائر ستة دروس للعربية، سميت بالكراسي أو الحلقات. وكانت موجهة إلى الفرنسيين، مدنيين وعسكريين، لتعليمهم اللغة العربية الفصحى والعامية. وهذه الحلقات (الكراسي) بدأت في ديسمبر ١٨٣٢ وانتهت بدمجها في مدرسة الآداب والمدارس الشرعية الثلاث سنة ١٨٧٩. وكان ذلك كله عبر ما أسميناه بالمرحلة الأولى لنشاط الاستشراق.
(١) ادمون بورك الثالث E. Burke III (الأزمة الأولى للاستشراق: ١٨٩٠ - ١٩١٤) في كتاب (معرفة المغرب (العربي)) إشراف جان كلود فاتان، باريس ١٩٨٤، ص ٢٢٣.