للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما ابن علي، فرغم براعته في الشعر، فقد غلبت عليه القصيدة.

[الشعر والمرأة]

ولعل غياب المرأة في المجتمع الجزائري هو الذي جعل شعر الغزل قليلا نسبيا، فالشعراء كانوا لا يتحدثون عن المرأة بعينها حين يتغزلون وإنما يصفون المرأة من الوجهة المجردة، فكانت صورهم الشعرية إما مأخوذة من

الماضي، وإما غير منطبقة على الواقع، وإما خيالية قل من يحس بها، وقد عزا بعض الكتاب الأوروبيين ما وجده من خشونة في الطبائع والألفاظ لدى الجزائريين إلى كون المرأة لا تتحرك وسط المجتمع، فقال ما معناه إن فراغ مجتمعهم من نشاط المرأة هو السبب في انعدام الذوق والمشاعر الرقيقة عندهم، لذلك فهم (وهو هنا يعني الشعراء) يتركون أنفسهم يسبحون في الخيال المجنح ولا يتكلمون إلا بلغة العبودية الخشنة بدل لغة الحرية الرقيقة، وهذا ما جعل الشعر عند الجزائريين في نظر هذا الكاتب يفتقر إلى الفكرة القوية والعاطفة الشريفة (١). ومهما كان في هذا القول من صدق أو من تجن فإن الذي لا شك فيه هو أن شعر الغزل عند الجزائريين يفتقر إلى حرارة الصدق وقوة العاطفة، كما يفتقر إلى الواقعية، إذا صح التعبير، ولعل غياب المرأة وتحركها داخل المجتمع هو الذي جعل بعض الشعراء يعمدون أيضا

إلى الغزل بالمذكر، كما فعل ابن علي رغم مقامه عي العلم والمجتمع.

يضاف إلى ذلك أن وسائل اللهو البريء التي تحرك المشاعر وتوحي للشعراء بالقول كانت قليلة أو غير معلنة, فالمسارح والنوادي تكاد تكون معدومة، والصحف غير موجودة أصلا، والشباب كان يقضي أوقاته في

صمت وعزلة قاتلة،

فالمجتمع كان مجتمع الكبار وليس فيه للشباب مكان

وكانت دور الخنا متوقرة ولكن بشكل سري ورسمي، وما يقال عن شدة عقوبة الزنا إنما يصح بالنسبة للمتزوجين. أما الشباب فالحبل له كان متروكا


(١) بانانتي، ٢٥٢، ويوجد رأي شبيه بهذا عند توماس كامبل (رسائل من الجنوب) انظر الفصل الذي ترجمناه عنه في كتابنا (دراسات في الأدب الجزائري الحديث) ط ٣، ١٩٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>