للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الغارب. حقا إن المجتمع كان يعالج ذلك بالزواج المبكر، فالعقود تتحدث عن الزواج بين الثامنة عشر للفتيان والرابعة عشر للفتيات. ولصغر السن أحيانا كانت العقود لا تسجل وتعلن إلا بعد مضي سنوات على الزواج (١). ومع ذلك فقد كان الفساد شائعا على المستوى الرسمي والشعبي

كما أشرنا سابقا. وكان تعدد الزوجات شائعا أيضا، بالإضافة إلى ما ملكت اليد من الوصيفات البيضاوات من الأسرى المسيحيين، والزنجيات من إفريقية، ويبدو أنه ليس صحيحا كل الصحة ما يقال عن تعفف الناس، سيما في المدن، فالعلماء قد سجلوا لنا، وهم في حالة منافسة واتهام، إن بعضهم كان يشرب الخمر ويأخذ الرشوة. كما إن بعض الشعراء قد سجلوا عواطفهم

في العشق والغزل.

فلم يبق من وسائل اللهو والتسلية للشباب ونحوه إلا ميادين محدودة (٢). فهناك المقاهي المعتمة التي تتصاعد منها سحب دخان النرجيلة والتباغة، وهناك التجمع حول مداح أو منشد يروي قصص ألف ليلة وليلة

وأساطير عنتر وأبطال الإسلام، وكان هناك، بالإضافة إلى ذلك، شعراء

شعبيون ينددون بالمظالم ويصفون فقر الناس وصبرهم ويعدون المحرومين بيوم الفرج القريب، ولم يكن يصحب هذا المنظر ضجيح ولا صراخ.

فالعيون جاحظة والآذان تسمع والفكر شارد، وحين ينتهي المنشد أو الراوي تجمع له الأموال ثم يفترق الحفل الساهر في جنح الليل، ولولا المواسم الدينية وزيارات الدنوش الموسمية لاختنقت المدينة بالحزن والصمت والكبت. هذا إذن حظ الناس عموما.

أما الشعراء والأدباء فقد كان أمامهم بعض المتنفس. فكثيرا ما كانوا


(١) انظر نماذج من ذلك في رحلة ابن حمادوش.
(٢) يروي توماس شو Shaw أن الشبان كانوا يأخذون خليلاتهم إلى الحقول ويلهون معهن، كما كان الكبار من الحضر ورجال الدولة يخرجون إلى منازلهم الريفية حيث يقضون راحة الأسبوع، وبعضهم كان يعزف الموسيقى بنفسه ويتلهى بأنواع الصيد ونحوه، انظر أيضا الفصل الثاني من الجزء الأول من هذا الكتاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>