يجتمعون في دار أحدهم، كدار ابن ميمون التي تحدث عنها ابن حمادوش، ودار ابن عبد اللطيف التي وصفها ابن عمار، أو نادي الشرب الذي ذكره الفكون. وقد يخرجون إلى الطبيعة فيقضون ساعات في المنتزهات يتغنون بالورود وأنواع الزهور، يصفون مساقط المياه وأصوات الطيور، ويتبادلون النكت والشعر والأخبار، وهم في ذلك يشكلون أحزابا وشيعا لأن كل جماعة تتنافس مع الأخرى ليس في الشعر فقط ولكن في الوظيفة أيضا، وقد يكون موضوع حديث الأدباء والشعراء في هذه الملتقيات رحلاتهم إلى خارج القطر للحج أو للعلم وما شاهدوه أو سيشاهدونه من ذلك. وقد يرحبون بزائر لهم من بلاد المشرق أو المغرب فيعقدون له الجلسات ويتنادمون معه ويتشاعرون من إنتاجهم أو من حفظهم، وبهذه الطرق فقط كان الشعراء والأدباء يتنفسون ويلقون عن عاتقهم عبء الحياة الثقيل ولو بعض الوقت.
ولدينا أمثلة كثيرة على هذه المنازع التي كان ينزع إليه الشعراء تخفيفا عن أنفسهم وترويحا لها من عناء الحياة. فقد أحب المفتي الشاعر ابن علي امرأة ولكنه لم يظفر بها فحزن لذلك وقال شعرا سنورده في ترجمته، وعندما علم صديقه ابن ميمون كتب إليه قصيدة في هذا المعنى جاء فيها: أمن فتك ذات القلب للقلب حاجب ... وأسهمها الألحاظ والقوس حاجب (١)
وكان ابن علي، كما أخبر ابن عمار، قد خطب هذه المرأة فأبته فظل على حبها إلى أن مات. ويدل شعر ابن علي الذي أجاب به ابن ميمون على مرارة دفينة وألم حاد، وكثيرا ما كان يخرج إلى المنتزهات رفقة ابن عمار وغيره، ولهما في ذلك أشعار جيدة.
وقد كان القاضي محمد القوجيلي من أبرز شعراء القرن الحادي عشر،
عالج أغراص الشعر المختلفة، ومن بينها الغزل، وكان القوجيلي بالإضافة إلى ذلك من العلماء المنافسين للمفتي سعيد قدورة، حتى أنه كان لا يسلم عليه إذا التقى به في جماعة، رغم اعتراف الجمع تقريبا بمكانة قدورة
(١) ابن عمار (نحلة اللبيب) ٦٤، وأيضا (ديوان ابن علي) مخطوط.