لاحظنا أن حركة التصوف في العهد العثماني تعتبر امتدادا للحركة التي بدأت قبلها بعدة قرون وأن معظم كبار المتصوفين ومؤسسي الطرق الصوفية في التاريخ الإسلامي قد ظهروا قبل القرن العاشر (١٦ م). فالأسماء اللامعة في عالم التصوف مثل الغزالي والحلاج وابن عربي وابن الفارض وجلال الدين الرومي والحاج بكداش وعبد القادر الجيلاني وغيرهم قد ظهروا جميعا قبل التاريخ المذكور. وعلى مستوى المغرب العربي ظهر أيضا متصوفون لامعون قبل هذا التاريخ، ونذكر منهم أبا الحسن الشاذلي وابن مشيش وأبا مدين وأحمد زروق وغيرهم. فإذا اقتصرنا على الجزائر وجدنا عددا من المرابطين وأهل الزهد ورجال التصوف قد كثروا كثرة تلفت النظر قبل مجيء العثمانيين أيضا. فعبد الرحمن الثعالبي ومحمد الهواري وإبراهيم التازي وأحمد بن عبد الله ومحمد بن يوسف السنوسي كانوا من ألمع أولئك الرجال. وهناك آاخرون عاصروا بداية العهد العثماني ولكنهم قد تكونوا قبله مثل أحمد بن يوسف الملياني ومحمد أفغول ومحمد بن شعاعة ومحمد التواتي البجائي. فالحركة الصوفية إذن، سواء كانت على مستوى العالم الإسلامي أو على مستوى المغرب العربي قد ازدهرت قبل قدوم العثمانيين إلى الجزائر.
كما لاحظنا من قبل أن الترك كانوا في تكوينهم الديني والنفسي والحربي من أتباع الطرق الصوفية، فالطريقة البكداشية كانت منذ ظهورهم تقودهم وتؤثر فيهم وتحميهم وتدفع بهم إلى الجهاد والمغانم وتبارك أعمالهم، فكانوا يدينون لرجالها بالولاء ويتبركون بهم وينظرون إليهم نظرة