للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السانية قرب وهران، لأن الناس كانوا في حاجة إلى الملح (١).

ويتضح مما سيق أن التصوف في العهد العثماني قد شمل مختلف القطاعات ولم يكن مقصورا على القارئين والمتنورين بل جذب إليه العامة وأشباهها. وقد كثر في هذا الجو المشبع بالروحانية المدعون للتصوف والمتكسبون بالدين وبالولاية. وقد رأينا أن هذه الظاهرة قد غطت العهد من أوائل القرن العاشر (١٦ م) إلى أوائل القرن الثالث عشر (١٩ م). والذي يدرس الوضع الاجتماعي والسياسي، كما صوره المداحون الشعبيون أواخر العهد العثماني يدرك مدى عمق هذه الظاهرة وانتشارها.

[سلوك بعض المتصوفين]

من دراستنا لسير رجال الدين خلال العهد العثماني نخرج بثلاثة أصناف: صنف العلماء الموظفين والفقهاء المستقلين الذين لا صلة لهم بممارسة التصوف العملي، وهذا الصنف هو الذي تعرضنا له في الفصل السابق. والصنف الثاني هم العلماء الذين غلب عليهم التصوف، وهم في الغالب لا يميلون إلى الوظيفة وإلى التقرب من السلطة إلا إذا أجبروا على ذلك بوجه من الوجوه. أما الصنف الثالث فيضم (المتصوفة) الذين كانوا يدعون العلم، وإذا شئت المنتسبين إلى التصوف والولاية لغرض من الأغراض والذين ساعدتهم الظروف السياسية والاقتصادية على الظهور واستغلال العامة. وفي هذا الفصل نركز على الصنفين الثاني والثالث.

وبناء على كل التعاريف المقبولة والمعقولة فإن التصوف الحقيقي هو الذي تتوفر فيه شروط أساسية منها معرفة الكتاب والسنة معرفة دقيقة والعلم بهما والجمع بين العلم والعمل والسعي إلى معرفة الله حق المعرفة عن طريق التأمل والنظر والتفكير في مخلوقاته، بالإضافة إلى التقى والورع والتجرد عن هوى النفس وحب الدنيا والابتعاد عن مغريات السياسة والسلطة وعدم


(١) (الرحلة القمرية) كما لخصها هوداس (المجموعة الشرقية)، ٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>