للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التعاون مع الظلمة والمتجبرين. ورغم أن هذه الشروط قد تبدو خيالية أو صعبة المنال فإن الشواهد كثيرة على وجود من توفرت فيه أو كادت. ولعل سيرة عبد الرحمن الثعالبي ومحمد بن يوسف السنوسي وعبد الرحمن الأخضري وعمر الوزان وأمثالهم خير شاهد على ذلك. فهم قد أضافوا إلى العلم الزهد والتصوف والتجرد عن الهوى.

فإذا اهتم بعضهم بعلوم الباطن فقط فقد انحرف عن الطريق الحقيقي للتصوف وتحول من العلم إلى الخرافة ومن الولاية إلى الشعوذة. وهذا هو ما حدث لدى الكثيرين في عصر ساد فيه التخلف ونامت فيه أعين الرقباء. فقد ظهر أشخاص هنا وهناك يدعون دعوات ضالة مضرة بالمصلحة العامة، ومع ذلك لم يوقفوا عند حدهم، بل سمح لهم بالنشاط والنمو والانتشار حتى طغوا وعاثوا في الأرض فسادا. وقد تولد عن ذلك انتشار الفوضى الدينية وكثرة الخرافات وحلول السحر محل العلم. ولكن القليل فقط من هذه الأمور قد سجله المؤرخون واهتم به الناقدون والملاحظون. ولا شك أن ما لم يسجلوه أعظم وأخطر. فبالإضافة إلى كتاب الفكون وبعض اللقطات في كتابات ابن العنابي وابن عمار، نجد في كتب الرحالة الأوروبيين كثيرا من الملاحظات الهامة والدقيقة على انتشار (المرابطية) والسحر والتخلف العقلي والعلمي عند هذه الفئة من الناس. وإذا كان الفكون وابن العنابي قد حكما على أصحاب تلك الأمور بأنهم دجاجلة وزنادقة فإن الأجانب قد نظروا إلى ما كانوا يقومون به على أنه من ظواهر التخلف العقلي والاجتماعي عند المسلمين. ولذلك لا نستغرب أن يقول أحد الأوروبيين بأن جميع علوم أهل الجزائر لا تخرج عندئذ عن السر وأن علماءهم (وهو يقصد المرابطين الدراويش) سحرة، كما لا نستغرب أحكام بعضهم على فئة العلماء عامة في الجزائر إذا بدت لنا أحكاما قاسية ومؤلمة.

ذلك أنه في الوقت الذي كان فيه علماء أوروبا ينادون بالحرية العقلية لتحرير العامة من ربقة الخرافات ويبدعون علوما وفنونا للنهوض بالإنسان، كان مرابطو الجزائر يلبسون على العامة ويستغلونها أشنع استغلال ويغرقون

<<  <  ج: ص:  >  >>