(تتبع المغامرة المعاشة من العائلات الجزائرية في أتون الكفاح).
وقد صدقت المجاهد في ذلك، فقد تتبعت (مغامرة) لا تدري مداها ولا عواقبها، مغامرة فجرتها الثورة التي كانت في حاجة إلى جميع أبئنائها، ذكورا وإناثا، مغامرة هوت على التقاليد بفأس من صلب فكسرت أصولا وفروعا وخلقت بذلك واقعا جديدا للجزائر الجديدة، ولم يزد فانون على رصد هذا الوقع، بحكم مهنته، وقدرته على التحليل والصياغة لكتاب يتداوله الناس، وإذا عدنا إلى هذه المغامرة وحديث فانوق عن تحرر المرأة الجزائرية عرفنا لماذا وجه المفكر مالك بن نبي نقده اللاذع لفانون باعتباره لم يعش ذاتية الشعب الجزائري - حسب تعبير ابن نبي - ولم يحس بشخصيته الدينية والتاريخية، رغم تخصصه في التحليل النفسي الحديث (١).
[الكادحون في الأرض]
هكذا ترجمت المجاهد كتاب فانون الثاني والأخير الذي ألفه في السنة الأخيرة من حياته، وقد تصدت المجاهد لترجمة هذا الكتاب وقدمته لقرائها عزاء لهم في وفاة صاحبه قائلة إنه لم يمت ولن يموت، واصفة المؤلف بأنه (فقيدنا العظيم) وصاحب مقولة: (هيا بنا يا إخواني ... يجب أن نخلق إنسانا جديدا)، في حديث ضمنه (كل حرارة إيمانه الملتهب وعمق فكره النفاذ، وسمو روحه المشرقة، وغزارة تجربته الثورية الفذة) حسب قولها.
لقد كان فانون يعرف - حسب المجاهد - بأن الموت يترصده، وأنه كان يشعر بأن رسالته الثورية لم تكتمل ولن تكتمل إلا إذا أنهاها بعمل يخلد به حياته ومجده يضم خلاصة تجربته ورأيه في بناء المجتمع الجديد بواسطة الكفاح الثوري، فكتب كتابه (الكادحون في الأرض)، ورأت في لحظة من المبالغة المفرطة أن الثوار فقدوا فيه أخا ورفيقا، ومناضلا كبيرا ومفكرا عظيما، وانه
(١) المجاهد - بالفرنسية - ٥٣ - ٥٤، أول نوفمبر ١٩٥٩، وأيضا عدد ٥٥، ١٦ نوفمبر ١٩٥٩.