الظاهرة لم تتم عن طريق الطفرة ولا عن خطة رسمية مدروسة، ولكن الوحدة السياسية للبلاد قد فرضت نوعا من الوحدة الاقتصادية، ومن ثمة نوعا من الوحدة الثقافية أيضا. ومع ذلك فلا يمكننا هنا أن ندعي بأن المجتمع الزراعي الاقتصادي انتهى في الجزائر خلال هذا العهد.
[الحياة الدينية والأدبية والفنية]
١ - لقد قيل الكثير عن موقف الترك من الثقافة سواء في بلادهم أناضوليا أو في البلاد التي دخلت تحت طاعتهم كالجزائر. وأقصى ما اتهم به الترك حب المال والبربرية والجهل والاهتمام بالأمور العسكرية دون المدنية ونحو ذلك من الاتهامات التي تجردهم جملة وتفصيلا من الحضارة والثقافة. ونحن هنا لا نريد أن نعمق هذا الاتهام ولا أن ندافع عن الترك. وكل ما نريده هو الوصول إلى معرفة الموقف الحقيقي للعثمانيين في الجزائر من الثقافة والعلم والدين ومتطلباته. إن تدهور الثقافة الإسلامية قد بدأ قبل استيلاء العثمانيين على السلطة بقرون. كما أن ظهور الطرق الصوفية، الذي كان ظاهرة متصلة بتدهور الثقافة، كان قبل توليهم السلطة أيضا. وتكاد المصادر تجمع على أن الثقافة الإسلامية قد أخذت في التدهور منذ عهد المعتصم بينما ظهرت الطرق الصوفية منذ القرن الخامس الهجري. فالأتراك ليسوا مسؤولين حينئذ على تدهور الثقافة الإسلامية ولا على ظهور التصوف. ولكن التدهور الثقافي والتصوف المنحرف قد أعانا على ظهور الأتراك، كما أن سياسة الأتراك في الحكم قد أعانت بعد ذلك على نشر التصوف الخرافي والانحطاط الثقافي.
فالدراويش كانوا وراء تقدم الأتراك في أناضوليا وفي احتلالهم القسطنطينية. وكانوا هم الروح التي تحرك الجندي التركي للجهاد والاستماتة فيه. ومن أهم الدراويش الذين نسب لهم ذلك، الحاج بكداش (القرن ٧) وأتباعه المعروفون (بالبكداشية). وقد وصلت طريقتهم أوجها في القرن